للخريف الذي ظلَّ يمضي ، لآخِرِ أوراقهِ ، تهمسُ الريحُ في مطرٍ ناعمٍ.

 

أنا أسمعُ ما تَنطقُ الريحُ . ألْمُسُ ما تَحملُ الريحُ . أغْمسُ

 

هُدبي بأمواجها . القريةُ ارتحلتْ منذُ قَرنٍ ، وهاأنت ذا لا ترى غيرَ

 

مقعدها الخشبيّ الوحيدِ ، وساحتِها الخاويةْ .

 

قد كنتُ هيّأتُ الشعاراتِ العشيّةَ . سوف يأتي (أحمدُ النجديُّ )*حتماً

 

بالعِصِيّ . وسوف تنطلقُ المظاهرةُ الظهيرةَ حينَ تزدحمُ الأزقّةُ

 

في محيط السُّوقِ .أيُّ منازلٍ ستقول : أهلاً ، حينَ ينطلقُ الرصاصُ؟

 

كأنّ ضَوعاً من حدائقَ في الغيومِ يسيلُ من كفِّي . كأني في الغمامْ .

 

ترحلُ الريحُ أيضاً ، ويرحلُ عن شجرِ الساحةِ المطرُ الناعمُ . الليلُ

 

لن ينتهي . هو لم يبدأ . الليلُ لن يبدأ . الليلُ حقٌّ كما الموتُ حقٌّ . كما اللهُ.

 

أنت هو المترحلُ . أنت الذي لم يجدْ عبرَ كلِّ المفازاتِ إلاّ مصاطبَ في قريةٍ.

 

وهي حجّتكَ اليومَ . قُلْ لي ، إذاً ، ما أوانُ الرحيلِ إلى الهاويةْ ؟

 

أتظلُّ تسألُ : هل أظلُّ ضجيعَها منذ انتصاف نهارِ هذا السبتِ

 

حتى مَوْهِنِ الأحدِ ؟ المدينةُ في ضواحيها … كأنكَ صرتَ تجهلُ

 

أنّ ماريتا تحبّ السوقَ مكشوفاً ومؤتلقاً ، وتجهلُ أنّ ماريتا ستشوي

 

الجَدْيَ . ماريتا ستُحضرُ خُبزَها البيتيّ. فَلْتقرأْ على الأحدِ السلامْ

 

الستائرُ شفّتْ ، وغامَ الزجاجُ . أنا الآنَ أُبصِرُ في الداخلِ، المَشهدَ.

 

الغرفةُ ابتعدتْ عن تفاصيلها ؛ والأريكةُ صارتْ مَمَرّاً ، وهذا البساطُ الذي

 

كنتُ أحسِبُ وِحداتِهِ صارَ نهراً ، ولم تَعُدِ اللوحةُ امرأةً عاريةْ .

 

……….............

 

….……………

 

……………….

 

بغتةً … أسمعُ الخطوَ !

 

هل جاءني من سيصحبني في طريقِ الظلامْ ؟

جدير بالذكر ان الشاعر سعدي يوسف شاعر بصري وأن احمد النجدي هو المرحوم الدكتور أحمد النجدي الذي درسنا عليه العروض في الجامعة .
حميدة.