برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


descriptionهدية طازجة Emptyهدية طازجة

more_horiz

كنت ابحث عن هدية اقدمها بين يديك
يابرقي الوطن
فما وجدت اغلى من مقالة استاذي في العروض المنشورة على جريدة التآخي الصادرة عن دار التآخي - بغداد







إيقاعات الجواهري النفسية



 



 د.مقداد رحيم



 



 



الخميس 30-01-2014



 



 



 



 



مدخل:



 



لم يقف العروضيون القدماء، وفي مقدمتهم الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي تولى التقعيد لأوزان الشعر العربي الخمسة عشر التي زاد عليها الأخفش واحداً، ومثلهم نقاد الشعر، على علاقة الأوزان بالتقلبات النفسية لدى الشعراء، أي الحالة النفسية التي عليها الشاعر ساعة نظم القصيدة، وإنما اكتفوا بالوقوف على ملاءمة الأوزان للأغراض الشعرية، وكأن الشاعر يختار -على عمد وبإجراء مسبَّق- الوزنَ الذي يراه ملائماً لغرضه.



 



وأرى أن الوزنَ الشعري محكوم بالحالة النفسية التي عليها الشاعر، لا بالغرض الذي ينوي النظم فيه، في أغلب الأحيان، على أننا لا نعتد بالشاعر المبتدئ، أو الذي لم تكتمل تجربته بعد، من خلال التدريب والتجريب وكثرة النظم قبل أن يعلن ظهوره في الأوساط، فهو عندئذ لا يعمد على اختيار إيقاع القصيدة، وإنما الوزنُ هو الذي ينسابُ في ثنايا قصيده انسياباً لا دخل له فيه، ومن هنا تتشكل أولى حلقات فكرة الوحي أو الإلهام، على ما أرى.



 



الإيقاعات النفسية عند الجواهري:



 



وعند الحديث عن الجواهري تتجلى أمامنا موهبة مكتملة الوجوه، لا من خلال نصوع شعره، وقوة شاعريته، وعلو بيانه فقط، وإنما من خلال معرفتنا بالخبرات التي اكتسبها والموهبة التي حظي بها منذ صباه، ولذلك فنحن نقف بتطبيقاتنا على شعره واثقين من نتائج البحث.



 



واستناداً إلى هذا نجد الإيقاعات في قصائده تتلون تلوناً واضحاً، وتختلف من قصيدة إلى أخرى بحسب الحالة النفسية التي عليها الشاعر ساعة نظمه القصيدة، ولا يعتمد في ذلك على الوزن الشعري فقط، بل على أسلوب الكلام، واختيار المفردات والجمل الشعرية، لتشكل جميعُها الإيقاعَ النفسي له في صورته المتكاملة، من حيث هو متأملٌ مسترخٍ هادئ، أو هو مُستفـَـز منزعج ثائر، ومن حيث هو فرح مقبل على الحياة، أو هو حزين يائس، فقد يكون الوزنُ الشعري الواحد هو هو غير أن إيقاعَه يختلف من قصيدة إلى أخرى تساوقاً مع تأتـــِّي الشاعر للمعاني من خلال أساليب التعبير.



 



وتحمل مقدماتُ الجواهري الدفقةَ الانفعالية الأولى، وترسُمُ أمام المتلقي الصورةَ الدقيقة لنفسيته، وتلونِـها من قصيدة إلى أخرى، ومن موقف إلى آخر، في الغرض الواحد، فعندما يقف معزياً شهداءَ الثورة العراقية تحتشد في  نفسه نفحاتٌ من الحكمة، ويتسم كلامه بالهدوء المستند إلى القبول بالأمر الواقع، والاستسلام للقدر القابع خلفه:



 



هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب.. وذو الجد حتى كل ما دونه لعب



 



ومن   أخلفـته في  المعالي   قضية..  تكفَّل في إنتاجها الصارم العضبُ(1)



 



وبعد ستة أبيات من الحكمة الهادئة تشتد نفسيته فيقول ثائراً:



 



أما والهضاب الراسيات ولم  أقل..  عظيماً، فكلٌّ دون موقفه  الهُضْبُ



 



لئن  أسلمتْهم  عزةُ   النفس  للردى..  فما عودتهم  أن  يلم بهم  عَتْبُ(2)



 



وقد أعانه البحر الطويل على التحرك بحرية واسعة لاستظهار هاتين الحالتين، وفعَلَ مثلَ هذا وفي الغرض نفسه في قصيدة "ثورة العراق":



 



لعل الذي ولى من الدهر راجع..فلا عيش  إن لم  تبق  إلا المطامعُ



 



لنا فيك يا نشء العراق رغائبٌ    .. أيُسعِف  فيها دهرُنا أم   يمانعُ؟



 



ستعرف ما معنى الشعورِ وكم جنتْ.. لنا موجعاتِ القلب هذي المقاطعُ(3) ولكنه اتخذ من مجزوء الرجز إيقاعاً للحديث عن الثوار:



 



إن كان طال الأمدُ.. فبعد ذا اليوم غدُ



 



وللفرات نهضة..    مشهودة لا تُجحدُ



 



وفتية على المنى.. أو المنايا احتشدوا(4)



 



  ومجيء القصيدة على هذا الشكل العروضي دال على التفاؤل والفرح اللذين تنطوي عليهما نفسيته في ساعة كتابته هذه القصيدة، وقد ساعد على إظهار هذا الملمح أسلوبه التبشيري بالغد المرتقب.



 



وفي إطار انغماسه في قضايا العراق الوطنية يتجلى حماسه واندفاعه الشديدان وهو يمد النظر بعيداً ليتحقق حلمه في انتشار العلم في ربوعه، فتجيء قصيدته العِلم والوطنية على وزن الكامل لتكون تفعيلة "متفاعلن" قادرة على التعبير عن هذا الحماس، وعلى تبديد انفعاله:



 



يا عِلْم قد سعدت بك الأوطانُ.. فليسمُ منك على المدى سلطانُ



 



وليسق حُبَّيك العراقَ   ليشتفي.. منـه العليل  ويرتوي   الظمآن(5)



 



حتى يقول: يا ايها الوطن   المفدى دونه..   يومُ  الفداء الأرضُ والأوطانُ



 



فدَّتك ناشئةُ البلاد وشمرتْ.. لك عن سواعد عزمها الفتيان(6)



 



ولا نعدم مثل هذا في قصيدته يا شعب، حيث يقول:



 



زعموا التطرفَ في هواك جهالة ً..أكذا يكون الجاهل المتطرفُ؟



 



هذا  فؤادي  للخطوب  دريئة..وأنا المعرّض فيكمُ  فاستهدفوا



 



أما هواك فذاك ملء جوانحي.. تحنو على ذكراك فيه وتكلفُ(7)



 



وللحزن في حياة الجواهري تجارب ومحطات، وسنرى أن إيقاعاتِ هذا الحزن تختلف من تجربة إلى أخرى، ومن حادث إلى آخر، فهو عندما يرثي العلامة الجواهري، ويعبر عن تجربة الفقد، يتخذ من البحر المتقارب وتفعيلته المتكررة "فعولن" وسيلة لاستذكار الأسى، ومجالاً لتتابع نفثات الحزن الذي تتلفع به نفسه والشعور بالاستسلام للقدر المحتوم، ولكنه اعتمد قطع التفعيلة الأخيرة، وتسكين القافية، ليكون ذلك دالاً على حدة الحزن:



 



حَـذِرتُ وماذا يُفيد الحذرْ.. وفوق يميني يمين القدرْ



 



ومما  يهوّن وقع الحِمامِ..  أن  ليس للمرء  منه  مفر



 



يوقّع ما شاء عُودُ الزمانِ.. ويبكي ويضحك منه الوترْ(Cool



 



ومع أن الشاعر استخدم هذا الإيقاع نفسه في رثاء الشاعر المصري أحمد شوقي إلا أن جملته الشعرية لم تعبر عن إحساس الشاعر بالحزن الحقيقي العميق، بل بدا وكأنه يزف خبراً صحافياً، ويبدو أنه وجد نفسه مُجبراً على رثاء شوقي فكان رثاؤه من باب إسقاط الواجب:



 



طوى الموتُ رب القوافي الغررْ.. وأصبح شوقي رهين الحفر



 



وألقي   ذاك التراث  العظيم .. لثقل التراب وضغط الحجر



 



وجئنا نعزي به الحاضرين.. كأن لم يكن أمسِ فيمن حضر(9)



 



ومن ينظر في رثائه لأبي العلاء المعري يجد البون شاسعاً بين الرئاءين، إذ يقول:



 



قف بالمعرة وامسح خدها التربا.. واستوح من طبب الدنيا بما وُهبا



 



واستوح من طبب الدنيا بحكمته..ومَن على جرحها من روحه سَكبا



 



يا برج مفخرة الأجداث لا تهني..إن لم تكوني لأبراج السما أفقا



 



فكل نجم  تمنى في  قرارتـــه..    لو أنه بشعاعٍ  منكِ  قد  جُذبا



 



...



 



أبا العلاء وحتى اليوم ما برحتْ.. صناجةُ الشعر تُهدي المُترفَ الطربا



 



من قبل ألفٍ لو انا  نبتغي عِظةٍ.. وعظتَـنا أنْ نصون العلمَ والأدبا(10)



 



فجعل من البحر البسيط وثاباً، طافحاً بالحركة المعبرة عن الهياج النفسي، وحرارة الشعور بالحزن والفقد، من خلال التركيز على التناوب بين تفعيلتي "مستفعلن" و"فاعلن"، وجعْل القافية الأخيرة بحركات متتابعة "فَعِلُن" مع ألف الإطلاق الذي يمتد به الصوت.



 



وعلى تفعيلة "فعولن" نفسها اعتمد ليعبر عن حالة الحزن الفادحة التي أورثها له استشهادُ أخيه جعفر، فتتابعت نفثات حزنه مع تتابع هذه التفعيلة، وفعَلَ الشيء ذاته عندما جعل التفعيلة الأخيرة مقطوعة، ولكنه جعل القافية مضمومة ليمتد بها النفس طلباً لتبديد أكبر قدر من الانفعال، ولكنه انفعال هادئ قائم على شعور فادح بالفقد، وحزن ٍ عميق، مع ما يمتزج به من معاني التحدي ومقارعة السلطة:



 



أتعلم أم أنت لا تعلم..   بأن جراح الضحايا فمُ



 



فم ليس  كالمدعي قولةً..  وليس كآخر يسترحمُ



 



يصيح على المدقعين الجياع..أريقوا دماءكمُ تُطعموا



 



أتعلم أن رقــاب الطغاة  أثــقلها  الغُنم  والمأثمُ(11)



 



وكان قبل ذلك بقليل من الزمن رثى الحسين عليه السلام بقصيدته "آمنتُ بالحسين"، على الإيقاع العروضي النفسي ذاتِه:



 



فداءٌ  لمثواك   مِن  مضجع ِ..   تنور بالأبلج  الأروع ِ



 



بأعبق من نفحات الجنان  روحاً، ومن  مسكها أضوع ِ



 



ورعياً ليومك "يوم الطفوف".. وسَقياً لأرضك من مصرعِ ِ



 



وحزناً عليك بحبس النفوس.. على نهجك النير المهيع(12)



 



   ومثل هذا الإيقاع الهادئ على مستويي التفعيلة والجملة الشعرية، لن نجده في رثاء عبد المحسن السعدون، لأن انتحاره ارتبط بقضايا وطنية تتطلب من الشاعر تناولها بكثير من الحماس والثورية، إذ يستخدم البحر الكامل الذي يتيح له من خلال تفعيلة "متفاعلن" التدفق الشعوري الوثاب:



 



فيم الوجوم؟ وجومكم  لا ينفع .. نفذ  القضاء وحُمَّ  ما لا يُدفع



 



  فيم الوجوم أبو علي قد مضى..   وقد انقضى الخير الذي يتوقع



 



وقد اختفى رمز البطولة وانطوت..تلك المحاسن والشمائل أجمعُ(13)



 



واختيار الجواهري لهذا البحر وهذه القافية يحيلنا إلى قصيدة أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أولاده الخمسة:



 



أمن المنون وريبها تتوجع.. والدهر ليس بمعتب من يجزع



 



وإذا المنية أنشبت أظفارها..    ألفيتَ  كل تميمة لا تنفع



 



وكأنه تلبس حالة الهذلي النفسية المستسلمةِ لقدر الموت، المنطوية ِعلى أقصى درجات الحزن، ولكنه شفع هذه الحالة بتدفق الهيجان الذي دلت عليه الجملُ الشعرية الحادة المتساوقة مع حالة الهيجان الشعبي الذي رافق هذا الحدث.



 



وللجواهري أحزان شخصية تغلف أحاسيسه الداخلية، وتشعره بالقنوط والضياع منذ وقت مبكر من حياته، وما ذاك إلا لعلو همته، واعتداده بنفسه، وشعوره بعدم تحقيقه لما كان يطمح إليه في الحياة، وقد جسَّد هذه المشاعر كلها في قصائد كثيرة، كان الإيقاع النفسي فيها أكثرَ وضوحاً، وأبلغَ في التعبير عنها، ففي قصيدته "صحو بعد سكر" يستوحي أجواء القصيدة العربية القديمة من خلال بحر الطويل الأكثر رسوخاً فيها، وألفاظ البيئة الحجازية، ويعبر عما وصفناه من مشاعر الحزن والقنوط من خلال الحديث مع النفس بأسلوب التساؤل والاستنكار:



 



أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى.. طويتَ على الشوق الفؤادَ المتيما



 



وباتت  تعانيها ضلوعُك  جُذوة..    تضيء  إذا ما طارقُ الحي   أظلما



 



وما فيك يا عرش الشباب مزيةٌ.. على الشيب إلا السيرُ فيك على عمى



 



سلمتَ وقد أسلتمني بيد الأسى.. كأني إلى الموت اتخذتك سُلـَّما(14)



 



ويتخذ من بحر الرمل إيقاعاً لحالته النفسية المتأزمة التي استدعتْ أن يحشد فيها كماً كبيراً من البوح الحزين، من خلال تدفق تفعيلة "فاعلاتن" وتكرارها، وحرف الإطلاق الذي يساعده على مد الصوت وكأنه آهٍ طويلة ٌبستنفد من خلالها انفعالاته:



 



جلبتْ ليْ الهم َّوالهم ُّعنا.. آه ما أروحني لو لا المنى



 



آه ما أخيبني مِن غارس.. شجرَ الآمال لكن ما  جنى



 



كلما حُدثتُ عن نجم بدا.. حدثتني النفسُ أنْ ذاك أنا



 



أمل أخشى عليه زمني.. فلو اسطعتُ أطلتُ الزمنا(15)



 



ويلجأ الجواهري إلى مد الصوت لتبديد الانفعال في قصيدته "ثورة النفس"، حيث البحر الطويل ذو المساحة الواسعة للتعبير بالأساليب المختلفة، واستخدامه تفعيلة القافية "مفاعلن" بدلاً من "مفاعيلن" ليبقى الألف حرف المد الوحيد في كلمة القافية وبها يتاح للشاعر التركيز على  امتدادات صوته وكأنه يستغيث:



 



سكت ُّ وصدري فيه تغلي مراجلُ.. وبعض سكوت المرء للمرء قاتلُ



 



وبعض سكوت المرء عار وهُجنة.. يحاسَب من  جراهما   ويجادَلُ



 



ولا عجبٌ أن يُخرسَ الوضعُ ناطقاً.. بلى عجبٌ أن يُلهم القولَ قائلُ(16)



 



حتى يقول:



 



أهذا  مصيري بعد عشرين  حِجةً.. تحلت بأشعاري  فهن أواهلُ



 



أهذا مصير الشعر ريانَ تنتمي.. إليه القوافي المغدقاتُ الحوافل(17)



 



....



 



فما الحر الا من يشاور عقله..   وأمُّ الذي يستنصح الغير ثاكلُ(18)



 



ومثل ذلك ما فعله في قصيدته "الشاعر المقبور" حيث استخدم البحر نفسه ليعينه على التعبير عن كوامن الحزن، وأفانين الشكوى بما فيه من امتدادات، وتناوب بين تفعيلة "فعولن" و"مفاعيلن"، وقد اتكأ على روي الهاء، لينفث أكبر قدر من الهواء من صدره فيكون ذلك متنفساً له:



 



دعا الموتَ فاستحلت لديه سرائرهْ.. أخو مورد ضاقت عليه مصادرهْ



 



عراهُ سكوت فاسترابتْ عُداتــــــه..     وما هو إلا شاعر كلَّ خاطرُهْ(19)



 



وبعض ما يقال عن هذه القصائد يقال عن قصيدته "شكوى وآمال" التي بناها على البحر الطويل أيضاً: أعاتب فيك الدهر لو كان يسمعُ.. وأشكو الليالي لو لشكواي سمعُ



 



أكل  زماني فيك  هم  ولوعةٌ..  وكل نصيبي منك   قلب مروَّعُ؟(20)



 



وعلى هذا الأسلوب من الخطاب المباشر الذي يتحدث فيه عن نفسه يتكئ في قصيدته "شباب يذوي" فيقول:



 



ذوى شبابيَ لم ينعم بسراءِ.. كما ذوى الغصنُ ممنوعاً من الماءِ



 



سَدتْ عليَّ مجاري العيش صافيةً.. كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاءِ(21)



 



ومثلها قصيدته "منى شاعر" التي يناجي فيها حمامة على طريقة القدماء:



 



حمامة أيك الروض مالي ومالكِ.. ذعرتِ، فهل ظلمُ البرية هالَكِ؟



 



نفرتِ   وقد حق  النفور لأنني   ..مُجسَّمُ أحزان وقفتُ حيالكِ



 



أعندك ِ علم أنني من معاشر.. أبوهم جنى واختار أدنى المسالك؟(22)



 



ويبدو أن نفسية الجواهري تتفق مع إيقاع البحر الطويل في موضوع الشكوى والتذمر والعتب المقذع، ويجد فيه فسحة أكبر في التعبير عن الألم الممض وبث الحزن العميق، ولذلك وجدنا أغلب قصائده في هذا الموضوع تنبني عليه، ولكنه لم يقتصر عليه، بل حملته نفسيته، في أحيان أخرى، على أن يستخدم الأوزان الخفيفة والقصيرة، مشفوعةً بافتراع الخطاب مع النفس، كما في قصيدته "أزحْ عن صدرك الزبدا" التي يقول في مقدمتها: أزح عن صدرك الزبدا.. ودعه يبث ما وجدا



 



وخل حطامَ  موجِدةٍ..  تناثرُ فوقَه قِصَدا(23)



 



وكما في قصيدته "في السجن" التي يقول فيها:



 



ماذا تريد من الزمانِ.. ومن الرغائب والأماني



 



أوَكلما  شارفتَ من  آمالك  الغر   الحسانِ



 



ورعتك   ألطافُ العناية   بالرفاه   وبالأمانِ



 



أُغرمتَ بالآهات إغرام الحنيفة بالأذانِ؟(24)



 



وقصيدتِه "يا غريب الدار" التي يأسى فيها على ابتعاده عن وطنه، ويبث أشواقه إليه، ويتحدث عن همومه وقد بلغ الستين من العمر، يقول:



 



مَن لهم لا يُجارى ..  ولآهاتٍ حيارى



 



ولمطويٍّ  على الجمر  سِراراً  وجهارا



 



طالباً ثأراً لدى الدهر الذي يطلب ثارا



 



مَن لناءٍ  عاف أهلاً وصحاباً  وديارا



 



تخذَ الغربة دارا.. إذْ رأى الذل  إسارا



 



إذا رأى العيش مداراةَ زنيمٍ  لا يُدارى



 



مَن لستين انطوت  مثل دم العبد جُبارا



 



سوقطتْ رجماً كما يرمي الملبُّون الجِمارا



 



 وقصيدته " مبادلة العواطف" ومنها قوله:



 



يا أخا البلبل رفقاً..هجت لي وجدا وذكرا



 



أنت لو تعلم ما..يلهب نفسي قلت عذرا



 



أنا ما غردتُ لو أني رضيتُ العيش أسرا(25)



 



وتقف هذه القصيدة شاهداً، كذلك، مع قصيدة "منى شاعر" التي ذكرناها قبل قليل، على كثرة مناجاة الجواهري للطير والحمام، ومع قصائد أخرى مثل قصيدته "جناية الأماني" التي يقول فيها:



 



أنا حملتُك يا طير الأسى..أنا، حتى عدتُ منه ألكنا(26)



 



وقصيدته "ذكرت الوئام"، ومنها قوله:



 



وليل ذكرتُ به صبوتي..فعدتُ إلى الزمن الأولِ(27)



 



...



 



وهاتفةٍ  راعها  مقدمي.. فلاذت  بأغصانها المُيَّلِ



 



أيا وُرقُ لا تُذعَري إننا.. شربنا العواطفَ من منهلِ(28)



 



وقصيدته "بريد الغربة" التي يتشوق فيها إلى بلده العراق:



 



هبَّ  النسيم  فهبت الأشواقُ .. وهفا إليكم قلبه الخفاقُ



 



وتوافقا وتحالفا هو والأسى.. وحمامُ هذا الأيك والأطواقُ(29)



 



وواضح أن عقله الباطن، ومكنونَ نفسيته يُحيلانهِ إلى ما كان سائداً في القصيدة العربية القديمة، وما كان يفعله الشاعر القديم من ربط للحالة النفسية المتشحة بالحزن والكآبة والحنين بهديل الحمام، ومناجاة الحمائم في إطار من خلق المعادل الموضوعي المفترض بين حالتها والهديل، وحالة الشاعر وآهاته.



 



وهكذا استطاع الجواهري عن طريق بناء الجملة الشعرية، والإيقاعات العروضية أن يعبر تعبيراً صادقاً عن مشاعره في المواقف الحيوية المختلفة، بحسب مقتضى الحال، أو بحسب مواقف الشاعر نفسها،  فتتنوع إيقاتُه الشعرية بتنوع إيقاعاته النفسية.



 



.............



 



"المصدر: ديوان الجواهري- الأعمال الكاملة- دار الحرية للطباعة والنشر- بغداد- ط2- 2001.



 



(1) ص57.(2) م.ن.(3) ص 63.(4) ص 59.(5) ص84.(6) ص 85.(7) ص 73. (Cool ص158.(9) ص 286.(10) ص 422.(11) ص 502.(12) ص 491. (13) ص 217.(14)  ص 70-71.(15) ص 75.(16) ص 326.(17) ص 327. (18) ص 328.(19) ص 67.(20) ص 68.(21) ص271  (22) ص 71. (23) ص 1002. (24) ص 365. (25) ص 73. (26) ص 76. (27) ص 80. (28) ص 81. (29) ص 163.



 



  



 



 



 





descriptionهدية طازجة Emptyرد: هدية طازجة

more_horiz
راقية جدا





دمت بخير



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى