‏الأحد‏، 15‏ أيلول‏، 2013

خاص أوقات الشام
تبنى العلاقات الدولية و مصالح الدول على مبدأ التوازن, حيث تسلم القوى العظمى لبعضها البعض بمناطق نفوذ هي بمثابة الخط الأحمر الذي ستتدخل لحمايته بشكل مباشر و الذي تحرص الدول الأخرى على عدم تجاوزه أبدا إعمالا لاحترام مبدأ تبادل النفوذ ويمكن تسميتها بمناطق النفوذ الحمراء.
إضافة لهذه المناطق الحمراء, هناك مناطق نفوذ خضراء ( متنازع عليها ) كما هو الحال في سوريا سابقا.
تعتبر اسرائيل بالنسبة لأمريكا منطقة نفوذ حمراء, لا يمكن للروس أو لأي دولة أخرى منافسة الأمريكيين عليها كما أن هناك التزاما أمريكيا كاملا بحمايتها.
هذا وقد شهدنا خلال الاعوام الماضية بوضوح كيف دلفعت روسية بشراسة عن منطقة نفوذ روسية حمراء هي جورجيا, حيث حاول الغرب دفع الرئيس الجورجي الى طرد الروس لبسط السيطرة الغربية على جورجيا, فتصرف الروس فورا عسكريا غير أبهين أو متخوفين من الرد الأمريكي أو الدولي, وتم ارسال القوات الروسية الى جورجيا فورا لأن جورجيا بالنسبة لهم هي منطقة نفوذ حمراء و قد فهم الأمريكيون هذا الأمر وانسحبوا بهدوء مضحين بحلفاءهم من القيادات التابعة لهم في جورجيا.
سوريا لم تكن منطقة نفوذ روسية حمراء وإنما كانت منطقة نفوذ خضراء ( متنازع عليها ) بين عدة قوى.. بين أمريكا و روسيا و بين إيران و الخليج.. أما الأن فإن ما نشهده هو تحول سوريا الى منطقة نفوذ روسية حمراء, و بعبارة أبسط: أصبحت سوريا بالنسبة للروس كما هو حال اسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة.
و السؤال هو: كيف استطاع الروس الانتصار و نيل الاعتراف الامريكي بسوريا كمنطقة نفوذ روسية ؟
جواب هذا السؤال يكمن في الصمود السوري الاسطوري للجيش و الشعب السوريين في وجه أكبر حرب عالمية شنت بالوكالة على بلد صغير كسوريا.
اضافة الى وجود أصدقاء و حلفاء حقيقيون لسوريا أقوياء وقادرون على التأثير بقوة في المنطقة و العالم.
اضافة الى شخصية الرئيس الروسي بوتين الساعي لاعادة أمجاد الأمبرطورية الروسية و وجود رغبة وقدرة لدى حلفاءه الدوليين من دول البريكس و الصين لإنهاء زمن القطب الأمريكي الواحد.

عدا عن أسباب الضعف الامريكي الناجمة عن تدهور الاقتصاد.
ما فعلته أمريكا من تهديدها بالعدوان على سوريا, كان أخر محاولة ومناورة لسحب البساط من تحت الروس و منع تحول سوريا الى منطقة نفوذ روسية حمراء.
ولكننا شهدنا الفشل الذريع لأوباما في مناورته و بالتالي اعلان هزيمته والتي بدت واضحة حين لجأ الى الكونغرس مع أن قرار الحرب كان يملكه وحده.

لماذا لم يترك الروس أوباما يذهب الى الكونغرس ؟ كان الكونغرس سيرفض الضربة و سيكون أوباما في موقف صعب جدا.
لماذا تم انقاذه من هذا الموقف ؟
لقد كان موضوع تسليم الكيماوي هو ثمن الانسحاب الامريكي من المشهد السوري و الاعتراف للروس بسوريا كمنطقة نفوذ حمراء, كما أنه كان طمأنة أمريكية لحليفتها إسرائيل بأننا قبضنا ثمنا كبيرا لقاء تراجعنا, ولكن.. من يحتاج الكيماوي حين تظلله المظلة النووية الروسية ؟
هذا ما تدركه المعارضة السورية تماما الأن, و مواقفها خير دليل عن حجم الخسارة و الصدمة, وهذا ما تدركه السعودية و تركيا اللتان ظهرتا كطفلين غاضبين غير راضيين بالاتفاق, ولكن ماذا يستطيع الأطفال أن يفعلوا حين يأمرهم الكبار بالإمتثال سوى البكاء و الصراخ ؟
بعد رسم هذا المشهد الاستراتيجي الجديد بعد سنتين و نصف من الحرب على سوريا نخلص الى نتيجتين هامتين:
1- انتهاء الكباش الروسي – الامريكي في الملف السوري بتخلي سوريا عن ترسانتها الكيماوية و باعتراف الولايات المتحدة لروسيا بأن سوريا منطقة نفوذ روسية حمراء لا يمكن ان تنازعها عليها.
مما يستدعي انهاءا للأزمة السورية التي باتت تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين كما أنها تهدد بانتشار الارهاب في المنطقة و العالم بشكل لم نعرفه من قبل.
2- مصير الرئيس الأسد :
على الرغم من كل التصريحات الروسية بأن روسيا غير متمسكة بشخص الرئيس الأسد إلا أن جميع هذه التصريحات غير حقيقية.. فشخص الرئيس الأسد هام جدا للروس لأسباب عدة:
أ- الرئيس الأسد معتدل – حامي للأقليات – وهذا ما يرضي الكنيسة الأورثوذكسية الروسية التي لها تأثيرا قويا في السياسة الروسية كما أنه يرضي القيادة السياسية الروسية بوجود شخصية سورية منفتحة و معتدلة تحارب الإرهاب و التطرف الوهابي الذي تتخوف منه روسيا كثيرا.
ب- الرئيس الأسد حليف موثوق جدا للروس و هو مؤكد الولاء لأنه تربية أبيه الذي كان حليفا موثوقا أيضا, فالأسد وقبل الأزمة رفض مد خط غاز قطري عبر الأراضي السورية الى تركيا و سواحل المتوسط حفاظا على مصالح حلفاءه الروس في السيطرة على مصادر الغاز الأوربي, وهكذا سيكون الرئيس الأسد بالتأكيد أفضل من أي شخصية أخرى قد تستلم السلطة في سوريا غير مضمونة في حلفها مع الروس.
ج – الرئيس الأسد بشخصه هو حليف استراتيجي هام جدا للإيرانيين و لحزب الله و هاتان قوتان إقليميتان حليفتان لا يمكن تجاوزهما أبدا.
السيناريو الروسي المطروح للحل:
1- انتزاع قبول أمريكي بالالتزام في جنيف 2 الذي لا يمنع الأسد من الترشح للرئاسة.
2- سيتحرك الذيل الأمريكي من المعارضات السورية في الخارج الى جنيف 2 بأوامر أمريكية ومن يرفض أو يعاند سيتم بتره ويتم تغييبه إعلاميا تماما, أي أنه يستطيع الصراخ بغضب في منزله حتى يتعب.
3- سيتم انهاء الصراع المسلح بأوامر أمريكية للمسلحين بإلقاء أسلحتهم من قبل مشغليهم السعوديين و القطريين و الأتراك و وقف السلاح و التمويل مع إغلاق الحدود التركية والأردنية بوجههم ومن يرفض يتم سحقه بمباركة دولية.
4- تهم دعم الإرهاب جاهزة لأي سياسي أو أمير أو شيخ يرفض الأوامر الأمريكية, فجبهة النصرة هي منظمة إرهابية حسب القانون الأمريكي و داعميها من العرب و الأتراك موثقين لدى الادارة الامريكية التي قد تستخدم هذه الورقة في وجه كل من ينسى أنه مجرد ذيل و يحاول أن يعصي الأوامر.
5- ما سيقدمه الروس للأمريكان هو انتخابات رئاسية ديمقراطية نزيهة برقابة دولية و بمشاركة الأسد.
6- مشاركة الأسد هي المشكلة الكبرى بالنسبة للمعارضة وليست الانتخابات الديمقراطية لأنها لو كانت تستطيع إزاحته ديمقراطيا لدعت بنفسها لهذه الانتخابات ولم تكن لترفضها و ترفض مشاركة الأسد بها.
7- فوز الرئيس الأسد بهذه الانتخابات مؤكد بنسبة كبيرة جدا لسببين رئيسيين:
أ- يملك الرئيس الأسد رصيدا مؤيدا كبيرا من الشارع السوري و بغض النظر عن حجم هذا الشارع إلا أن أصواته محصورة بشخص الرئيس الأسد.
ب – لا تملك قيادات المعارضة السورية أي شعبية حقيقية في الشارع مما سيؤدي الى تبدد الأصوات للشارع المعارض بين عدة مرشحين معارضين لا يمتلكون الشعبية ولا الكاريزما و هذا ما سيؤدي حسب اللعبة الديمقراطية الى هزيمة الجميع ديمقراطيا أما المرشح الذي يجمع عليه الشارع الذي سينتخبه وهو في هذه الحالة: الرئيس الأسد.
8- ستنتهي الأزمة السورية ببقاء الرئيس الأسد في السلطة مع حكومة سورية قد تأخذ فيها المعارضة السورية كل الحقائب الوزارية مع صلاحيات كاملة باستثناء الدفاع و الخارجية.