الرؤيا الإبداعية في الصورة الشعرية لشعر المنفى العراقي
الرؤيا الإبداعية في الصورة الشعرية لشعر المنفى العراقي
مهدي الحسناوي
14/08/2010
عندما نتحدث عن الرؤيا الإبداعية في ألصورة الشعرية فنعني الوعي بالذات لدى الشاعر بتصوير الوقائع والأشياء بلغة جميلة تداعب مخيلة المتلقي وتتميز الصورة الشعرية بأنها الإحساس أو الإدراك الحسي حسب مفهوم علم النفس الأدبي ، وهذا الإدراك الحسي ما هو إلا فهم أو تعقل بواسطة الصور ، أي يترتب عليه إدراك المرئيات والمسموعات ، كما انه يترتب عليه جودة الإنتاج أو رداءته ، بمعنى انه إذا كان قويا واضحاً استطاع الشاعر إن يصف ما يحس وصفاً دقيقاً مطابقة للواقع وبلغة جميلة ملؤها الشاعرية فانه شعر إبداعي ، وتزخر الصور الشعرية لشعر المنفى العراقي بالمفردات التي ترمز الى الرحيل والنفي كـ ( المرافئ ، والرحيل ، والبحار ، والمدائن ، والسفائن) كما يقول الشاعر عبد الوهاب البياتي في قصيدته الرحلة :-
لو صرخت (لارا) في الشفق القطبي
وفي غابات البحر الأسود
لانتهت المرحلة
لتحطم قلب الشاعر فوق رصيف الغربة
لكن القاتل حبه
مازال يواصل دربه
في حمى دوران الأفلاك السبعة
وحريق الأسئلة الصعبة
وعلى الرغم من إن صور الشعر وضيفتها التمثيل الحسي للتجربة الشعرية الكلية ،ولما تشتمل عليه من مختلف الإحساسات والعواطف والأفكار الجزئية ، فان تألق الصور الشعرية ورؤيتها الإبداعية تمثل مرحلة النضوج الشعري لدى كتاب قصيدة شعر المنفى العراقي، فهذا سعدي يوسف يرثي شعراء المنفى الذين رحلوا عنه مبكرين .
يرحل الشعراء
واحد بعد أخر في أخر الليلِِ
لم يحملوا معهم غير زاد الفقير
وتذكرة لم تؤرخ...
أقول لهم :لا تحنو الخطى
انتظروا ساعةً حَسبُ يا إخواني
نحن في آخر الليل
لكنهم يرحلون...
ونجد أيضا في هذا المقطع الشعري وصوره الشعرية تكثيفا شعريا لبنية القصيدة كلها ومحور تركيزها حيث رحيل الشعراء في المنفى ودفنهم هناك بلند الحيدري عبد الوهاب البياتي وسركون بولص ، وأحيانا تكون الصورة مرآة الشاعر كما في قصيدة مظفر النواب (مرثية لانهار من الحبر الجميل )
يسافر في ليلة الحزن
صمتي
غيوماً
واشتريت دروب المتاعب
الوي أعنتها فوق رسغي
ليالي أطول من ظلمات الخليقة
(خالٍ سوى من فتاتٍ من الصبر)
في ركن زاويتي
والدجى ممطرٌ
أأنت الوديع كساقية ٍ
من خبايا الربيع
يحاول البعض من شعراء المنفى الاستعانة بالذاكرة وإطلاق العنان لإحداثها المتشابكة فتمارس هذه الإحداث حضورها في اللحظة الشعرية أي لحظة ولادة النص هاربة من زمانها ومكانها المبعثرين هناك/ أمس في ذخيرة الوجدان الشخصي له وعن طريق تقطير هذه الوقائع ومزجها بما تراه العين النشطة من مشاهد يومية مملة ومكررة ألاف المرات ينطق النص بما تضمره تلك الحوادث المخزونة ليقيم حوارنا معها ، حوار الرؤيا الصافية غير المشوبة بغبار الوقائع حيث إن لحظة المعاناة الحقيقية تبدأ من الكتابة فتتم المعاينة المتألمة والمتأملة فتنتج صورة شعرية يشوبها الخيال الإبداعي يقول عدنان الصائغ في مجموعته تأبط منفى ...
اطرق باباً
أفتحهُ
لا أبصر إلا نفسي باباً
أفتحهُ
أدخلُ
لاشيء سوى بابٍ أخر
يا ربي
كم باباً يفصلني عني
إن الصورة الشعرية الإبداعية تفرض نفسها على ذهنية وإحساس المتلقي بمفرداتها واستخدام الرموز والمضادات فيها بلغةٍ تداعب الذائقة الشعرية التي تسعى الى قراءة ما بين السطور ،فتكون هذه الصورة المخيلة التي تنقله الى أمكنته وطفولته ، فهذا الشاعر كريم الاسدي المقيم في ألمانيا يقول في قصيدة موت في الريح ..
حينما تجداني
راحلاً في دمي
رائقاً كشتاء الجنوب
سابحاً في أثير الجراح
واجماً كجنوب الرياح
حينما تعرفان دمي
نابعاً من أقاصي السماء
مارقاً في البروق
ساهماً كالنيازك خاسرةٌ
فارفعاني كهودج ماء
وإذ هبت الريح
نحو الجنوب
ونحو الشروق
إذن وحداني
في الكتابة الشعرية وبشكل عام اشترك كل من اللاوعي والوعي في ولادة النتاج الشعري، فاللاوعي هو رحم القصيدة الأول والمولد للصورة أو الفكرة الشعرية عبر إلية تلقائية مبهمة أو كمنعكس لمدرك حسي ، هناك في الطبقات الغامضة والمجهولة يبداء تململ وتشكل هلام الصورة الشعرية ، فشعر المنفى لا يختلف عن أي شعر عربي أخر إلا انه له خصائص تميزه عن غيره وهذه الخصائص هي موضوع بحثنا ودراستنا فهذه ابنة الجنوب الشاعرة المندائيه لميعه عباس عمارة التي يراودها التعميد بدجلة والفرات فتستخدم هذه الصورة كأسلوب للغور في تفاصيل جرحها فتقول في قصيدة (ديهيا يهانا) يعني بن زكريا .
جميل أنت
دماؤك من عسل النحل
نقي من ماء الأردن
أحبت تعمدنا بالماء
هل يقوى شجً
عفوك..هل نحن الإحياء
اكبر من ماء الأردن خطايانا
صوتك يحيني
عمدني .. بعماد إبراهيم الأقدم
وتتميز بعض الصور الشعرية لقصائد المنفى بأنها تكون مشاهد للواقع العراقي المعاش ، وانفراد بعض شعراء المنفى بأنهم شكلوا ظواهر مميزة في الشعر العربي كالشاعر احمد مطر الذي يقول في قصيدة ( لا فتات)
لستُ إلا طائر في قفص
لا ارض من تحتي
ولا فوقي سماء
إنا محكوم بقانون التدلي في الهواء
ليس لي أي عزاء
غير إني اجعل صوتي
معبراً لي فوق موتي
امنح السجان ما شاء
إنا اعصيه هراء
وهو يعطيني غذاء
وإنا اهجوه- في تقليده - أقسى الهجاء
اذ أنا افقه ما قال
ولا يفقه من قولي إنا.. حرف هجاء
الرؤيا الإبداعية في الصورة الشعرية لشعر المنفى العراقي
مهدي الحسناوي
14/08/2010
عندما نتحدث عن الرؤيا الإبداعية في ألصورة الشعرية فنعني الوعي بالذات لدى الشاعر بتصوير الوقائع والأشياء بلغة جميلة تداعب مخيلة المتلقي وتتميز الصورة الشعرية بأنها الإحساس أو الإدراك الحسي حسب مفهوم علم النفس الأدبي ، وهذا الإدراك الحسي ما هو إلا فهم أو تعقل بواسطة الصور ، أي يترتب عليه إدراك المرئيات والمسموعات ، كما انه يترتب عليه جودة الإنتاج أو رداءته ، بمعنى انه إذا كان قويا واضحاً استطاع الشاعر إن يصف ما يحس وصفاً دقيقاً مطابقة للواقع وبلغة جميلة ملؤها الشاعرية فانه شعر إبداعي ، وتزخر الصور الشعرية لشعر المنفى العراقي بالمفردات التي ترمز الى الرحيل والنفي كـ ( المرافئ ، والرحيل ، والبحار ، والمدائن ، والسفائن) كما يقول الشاعر عبد الوهاب البياتي في قصيدته الرحلة :-
لو صرخت (لارا) في الشفق القطبي
وفي غابات البحر الأسود
لانتهت المرحلة
لتحطم قلب الشاعر فوق رصيف الغربة
لكن القاتل حبه
مازال يواصل دربه
في حمى دوران الأفلاك السبعة
وحريق الأسئلة الصعبة
وعلى الرغم من إن صور الشعر وضيفتها التمثيل الحسي للتجربة الشعرية الكلية ،ولما تشتمل عليه من مختلف الإحساسات والعواطف والأفكار الجزئية ، فان تألق الصور الشعرية ورؤيتها الإبداعية تمثل مرحلة النضوج الشعري لدى كتاب قصيدة شعر المنفى العراقي، فهذا سعدي يوسف يرثي شعراء المنفى الذين رحلوا عنه مبكرين .
يرحل الشعراء
واحد بعد أخر في أخر الليلِِ
لم يحملوا معهم غير زاد الفقير
وتذكرة لم تؤرخ...
أقول لهم :لا تحنو الخطى
انتظروا ساعةً حَسبُ يا إخواني
نحن في آخر الليل
لكنهم يرحلون...
ونجد أيضا في هذا المقطع الشعري وصوره الشعرية تكثيفا شعريا لبنية القصيدة كلها ومحور تركيزها حيث رحيل الشعراء في المنفى ودفنهم هناك بلند الحيدري عبد الوهاب البياتي وسركون بولص ، وأحيانا تكون الصورة مرآة الشاعر كما في قصيدة مظفر النواب (مرثية لانهار من الحبر الجميل )
يسافر في ليلة الحزن
صمتي
غيوماً
واشتريت دروب المتاعب
الوي أعنتها فوق رسغي
ليالي أطول من ظلمات الخليقة
(خالٍ سوى من فتاتٍ من الصبر)
في ركن زاويتي
والدجى ممطرٌ
أأنت الوديع كساقية ٍ
من خبايا الربيع
يحاول البعض من شعراء المنفى الاستعانة بالذاكرة وإطلاق العنان لإحداثها المتشابكة فتمارس هذه الإحداث حضورها في اللحظة الشعرية أي لحظة ولادة النص هاربة من زمانها ومكانها المبعثرين هناك/ أمس في ذخيرة الوجدان الشخصي له وعن طريق تقطير هذه الوقائع ومزجها بما تراه العين النشطة من مشاهد يومية مملة ومكررة ألاف المرات ينطق النص بما تضمره تلك الحوادث المخزونة ليقيم حوارنا معها ، حوار الرؤيا الصافية غير المشوبة بغبار الوقائع حيث إن لحظة المعاناة الحقيقية تبدأ من الكتابة فتتم المعاينة المتألمة والمتأملة فتنتج صورة شعرية يشوبها الخيال الإبداعي يقول عدنان الصائغ في مجموعته تأبط منفى ...
اطرق باباً
أفتحهُ
لا أبصر إلا نفسي باباً
أفتحهُ
أدخلُ
لاشيء سوى بابٍ أخر
يا ربي
كم باباً يفصلني عني
إن الصورة الشعرية الإبداعية تفرض نفسها على ذهنية وإحساس المتلقي بمفرداتها واستخدام الرموز والمضادات فيها بلغةٍ تداعب الذائقة الشعرية التي تسعى الى قراءة ما بين السطور ،فتكون هذه الصورة المخيلة التي تنقله الى أمكنته وطفولته ، فهذا الشاعر كريم الاسدي المقيم في ألمانيا يقول في قصيدة موت في الريح ..
حينما تجداني
راحلاً في دمي
رائقاً كشتاء الجنوب
سابحاً في أثير الجراح
واجماً كجنوب الرياح
حينما تعرفان دمي
نابعاً من أقاصي السماء
مارقاً في البروق
ساهماً كالنيازك خاسرةٌ
فارفعاني كهودج ماء
وإذ هبت الريح
نحو الجنوب
ونحو الشروق
إذن وحداني
في الكتابة الشعرية وبشكل عام اشترك كل من اللاوعي والوعي في ولادة النتاج الشعري، فاللاوعي هو رحم القصيدة الأول والمولد للصورة أو الفكرة الشعرية عبر إلية تلقائية مبهمة أو كمنعكس لمدرك حسي ، هناك في الطبقات الغامضة والمجهولة يبداء تململ وتشكل هلام الصورة الشعرية ، فشعر المنفى لا يختلف عن أي شعر عربي أخر إلا انه له خصائص تميزه عن غيره وهذه الخصائص هي موضوع بحثنا ودراستنا فهذه ابنة الجنوب الشاعرة المندائيه لميعه عباس عمارة التي يراودها التعميد بدجلة والفرات فتستخدم هذه الصورة كأسلوب للغور في تفاصيل جرحها فتقول في قصيدة (ديهيا يهانا) يعني بن زكريا .
جميل أنت
دماؤك من عسل النحل
نقي من ماء الأردن
أحبت تعمدنا بالماء
هل يقوى شجً
عفوك..هل نحن الإحياء
اكبر من ماء الأردن خطايانا
صوتك يحيني
عمدني .. بعماد إبراهيم الأقدم
وتتميز بعض الصور الشعرية لقصائد المنفى بأنها تكون مشاهد للواقع العراقي المعاش ، وانفراد بعض شعراء المنفى بأنهم شكلوا ظواهر مميزة في الشعر العربي كالشاعر احمد مطر الذي يقول في قصيدة ( لا فتات)
لستُ إلا طائر في قفص
لا ارض من تحتي
ولا فوقي سماء
إنا محكوم بقانون التدلي في الهواء
ليس لي أي عزاء
غير إني اجعل صوتي
معبراً لي فوق موتي
امنح السجان ما شاء
إنا اعصيه هراء
وهو يعطيني غذاء
وإنا اهجوه- في تقليده - أقسى الهجاء
اذ أنا افقه ما قال
ولا يفقه من قولي إنا.. حرف هجاء