برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


descriptionقصة قصيرة  حلقوم وتفاح وفستق Emptyقصة قصيرة حلقوم وتفاح وفستق

more_horiz
قصــــة قصيــــــرة....

حلقـــوم وتفـــاح وفستــــق




بقلم/ثامر ياسين العبيدي







عقد
من الزمن أنقضى وأنا حارس لهذا السجن الكبير الرطب المظلم ذا الجدران الملطخة بلون أسود ممتزجة بحمرة قديمة
... تتطاير من زواياه الحشرات كالقمل والخنفساء وحتـــى الفأر , فكنت حريصا"
جدا"حين أدخله لأحصي عدد السجناء أو أعد قائمة بالنزلاء الذين على موعـد
مرتقب مع زيارة ذويهم غدا" السبت


كنت
أتلثم وأحاول أن لاألمس شيئا".. وحين يمسك بي أحدهم وأعلم أنه من طبقة
المعدومين
أتقهقر
منهزما" مما أنا فيـــــه , كانت شبابيك السجن مشرعة مــــن دون زجاج أوغطاء
بـــل مربوطة بأسلاك شائكة فكان نسيم ليــــل الغيض عليــــلا" منبعثا"
وعلى عكسه بالتمام تتسلل


الريح
(الزمهرير) الباردة معلنة" عــــن سطوتها علــــــى تلك النوافذ ذات الدفاعات
البسيطة , وكذلك فعلت الثلوج فــــــــــي ليالي رأس السنة وما سبقها قارصة
البرد وما رافق الفجر من زمهرير , حتى أضحى نهار الشتاء نذيــــــــــرا" للخوف
من مساءاته قبل أنتصاف ليله وكأنه

توعـــد
بقدوم الموت .. فما كان من السجناء سوى أن يتضرعوا للحراس لـــــو يوصلوا لهم
توجسهم بالموت المحدق بهم فيحاولوا فيما
لو يستروا تلك النوافذ بشيء من القماش أو قطع بالية أو حتى لو يغطوها بــ
(النايلون) الشبيه للزجاج كي يقيهم مــــــن البرد وفي الوقت نفسه يتمكن الحرس مشاهدة
ومراقبة مايجري ومايحدث داخل السجن
رفض
رئيس الحرس طلب السجناء فأستنكر أحدهم وكان سجينــا" ينام لصيقا"
لنافذةٍ عاريـة لاحاجز يوقيهِ عنهــــا وستر يحجب التسرب لأنه كان يفترش بلاط
السجن ودثاره الوحيد كانت

ملابسه
الرثة البالية والتي لامناص من التمسك بها فهو لايملك غيرها.

أخذ
الحرس السجين المعترض الى رئيسهم فصفعهُ صفعات عــــــدة جعلته يشعر بالدفئ لبضع
دقائق, تمنى لو ...... , لكن رئيس الحرس أمر بوضعهِ داخل برميــل كبير لبضع دقائق
قائلا" بسخرية:



( لعل برميل الماء البارد هذا سيشعركَ بالدفئ كصفعاتي.)


وأعقب
ذلك بضحكة ساخرة.


بعدها
أمر بأن يحجزوه في غرفةٍ صغيرة جــــدا" وتركوه فيها وحيــــدا"
يعاني وحشة الحجز الأنفرادي متحملا" برودته ورطوبتــــــــه اللتان تحفران
العظام فضلا" عـــــن قسوة الحرس
وغلاضة معاملتهم الخاصة جدا" جدا" له تنفيذا" لأوامر رئيس السجن..
كان رئيس الحرس


يسهر
كل ليلة مع مسؤول السجن ولم يكـــن ليسمح لأحد أن يعكر مزاجه المخمور... وحين يرسلني
لأخرس أفواه الجائعين والعـــراة , كنتُ أضرب بالسوط علـــــــــى
الأرض فيبتسم لي السجين ويصدح بـــآهٍ
مفتعلة تمزق صمت الليل ,ذلك الليل البهيم المظلم ,فتتعكر الخمرة فــــي


الكؤوس
و الرؤوس ليصرخ المسؤول بوجـــه رئيس
الحرس بهستيريـــــــة شديـــــــــــــدة :


ـــ
( أوقف هذا الضجيج قبل أن أرتكب جناية تحت جنح هذا الليل )


فينام
الجميع مذعورين , حتى الجائع منهم يغفوا على أمل الأستيقاظ مع رائحة الحساء الشهية



ولم
يبقَ سوى السجين المتمرد المحجوز والذي كان دائما" يقظــــا" بالرغم من
العتمة والبرد

وأفتقاره
للفراش والاغطية وهو مستلقٍ علـــــى جهةٍ ومطبقا" راحتيه بين فخذيه محاولة
منه للحصول على شيء من الدفئ قد يساعده علــى النوم ليقضم مــن ليل سجن ابي غريب الطويل
نتفا" .. لكنه لم ينل حتى من السحت كغفوة .. عنـــد أطلالة فجر اليوم التالي
أكتضت بوابة السجن الكبيرة بأفواج الزائرين حتى وصل عددهم لآلآف.. وفي الساعة
الثامنة صباحا" فُتِحَ

باب
صغير ــ مُعد لدخول الزائرين فقط ــ ليتقاطر منه ذوي السجناء لرؤيتهم وليمنحوهم ممــا جلبوه لهم من طعام منزلي , والذي حُرِموا
منهكي يُعينهم على مقاومة الجوع والبرد الشديدين ,ويأخذوا منهم ماأتسخَ من المواد
,وقبــــل أن ينتهيوقت الزيارة يدس لبزائر فـــــي يد السجين بعض النقود ويقبلون بعضهم البعض ... فيصرخ مسؤول السجن بتذمر
آمرا" :


(الزيارة أنتهت ... عودوا الى زنزاناتكم ..... )

الزيارة
أنتهت وتبعتها أخرى ومازال المحجور فـــــي الزنزانة الأنفراديـــة يتقلب على جنبه
كل ليلة... وحينما مضى المسؤول فـــــي أجازته ذهبتُ الى رئيس الحرس لأستسمحه لــــو
يرجع المحجور الــى زنزانته مع رفاقه مؤقتا" لحين عودة المسؤول , رفض آمر
الحرس في البدء ,
بيدَ
أنه وافق على أن أكون ضاكنا" لحسن سلوكه وعدم تمرده مرة أخرى.


أسرعت
الخطى , وفتحت باب زنزانته الأنفراديـــة , ناديته فخرج اليَ وهو لايود الخروج
البته
فسألته
عن السبب أجابني بثقة :


(هنالك مع بقيـــة السجناء أشعر بالبرد ينهال على عضامي كالسياط فالنوافذ لازالت
مشرعة والنزلاء ينعمون بدفئ الأغطية والطعـــام
الذي يحصلـــون عليه مــــن ذويهم, أما
أنا فلا أهل عندي
يتفقدون حالــــــــي , فضلا" عن أن الزنزانة الأنفرادية صغيرة ولا
نوافذ فيها لذا أشعر بشيء من الدفئ فيها


لم
أشأ عناده ليُعدل عــــن قراره بالرغم من هذه الفرصة الطيبة ليكون بين الآخرين فقد
يجد لهُ صديقا" أو أنيسا" أو قـــد يشارك مع الملبدة جعبهم بشيء يدفئ معدته
الخاوية طوال الليل... لكني أستطعت أقناعه بتناول بعض ماكنتُ أبيعهُ على الزائرين
فقد كان راتبي لايكفي لذا حصلتُ


علـى
موافقة المسؤول , فكنتُ أبيع الحلقـوم والتفــاح والفستق على الزائرين والمسجونين..



لذا
تراني قد نجحتُ بأقناعهِ على تناول ماكنتُ أبيعه... عندها قال لي :



تراني الآن أوفر حظا" من الآخرين , فمن بأمكانهِ تناول هذه الأشياء الغالية.. ؟!!!


كانت
أيام كانون القاسية البرد قد أبتدأت ترمي بالسجيــل الأبيض بعد منتصف الليل..
وعندما عــاد مسؤول السجن مـــــن أجازته جائنــــا على عجالة وبيده ملف ذي ديباجة
قرارات منها :



أن لايكون فـــــي السجن منذ الآن أحد قضى نصف مدة محكوميتهِ فيطلق سراحه وكذلك من
قضى ربع المدة يُطلق سراحه بشرط كفالة شخصية كي يُخلى سبيله .....


أطلقتُ ساقايَ للريح لأزف الخبر الى صاحبي المحجور الموهـــــوم
بالدفئ .... لكنه لم يُبدِ أي سرور! تلعثمت في كلماتي متسائى" أياه:


لايمكن أن تكون سجينا" جديدا" هنــا ,لأني أحرس زنزانات هذا السجن منذ
سنين وأنت هنا


منذ أكثر من .....


قاطعني
معالجا" لحيرتي قائلا":



بل قضَيت ربع المدة ولكني سبق وأنا وضحتُ لك شأني أن لا أحد من يأتيني , فكيف اذا
كان

الأمر
مشروطا" ,متعلقا" بكفالة ؟ أنه رجما" بالغيب...... !


وبعد
أن أذاع الخبر مسؤول السجن على النزلاء , عـــــــمً الفرح قاعـــــــات الأقسام
والردهات المجاورة , وسُمِعت الأغاني تُردد على أيقاعات القـــــدور والصحون المعدنيــــــة
وعلى أبواب الزنزانات بالملاعق التي كانت مخبأة.... ! وصار للبهجة أجنحة تطير كأسراب الحمــام معبرة
عنها الأفواه بالصفير وكأنها زغاريد زفاف


وعندما
حلً المساء أمرت ْ أدارة السجن جميع السجنــاء بالنوم فالغد سيكـــــون
حافلا" بالعمل للتخلص من هذه المجاميع التي كانــــت بالأمس نسيا"
منسيا" , نام النزلاء الطلقاء بعـد بضع شتائم من آمر الحرس ولم تُغمض عينـــا
صاحبي المحجور ولاعينايّ ,صارَ صباح اليوم التالي للقرار عيدا", أذ أكل
النزلاء كل ماأدخروه ووزعوا الفائــــض على الحراس فيما أستطعتُ بيع كل مالــــــديّ
مــــــن بضاعتي لهذه المناسبة , فراحَ النزلاء يشترون منــــــي الحلقوم والتقاح
والفستق.....

وقبيل
أنتهاء الشهر لم يعد فــــي السجن سوى قلة من النزلاء من أصل عدد كبير , فقررتُ في
هذه الليلة أن أقتحم هذا السجين العنيد ذو
الأطوار الغريبة ,فقلتُ لهُ متسائلا"

ـ
أعطني عنوانكَ 00 عنوان أسرتكَ , مسكنكَ ...

فأجابَ ببرودٍ تام :


ليسَ لديَ أسرة تنتظر خروجي

عندها
وجدتُ نفسي مجبرا" على مواجهتهُ بأمر لم يكن في الحسبان :



أظنكَ مرتكبا" مصيبة تخشى عارها ؟


قاطعني
بصوت فيه حدة تنم عن ثقةٍ عالية بالنفس وقال



مثلي لايفعل ألا الخير , لذا فمن أنتمي اليهم دون ذلك


فأقترحتُ
عليه أن أتولى بنفسي كفالته ,....


أخذتُ
أجازة وذهبتُ وأعددتُ للكفالة عدتها وزوقتها بالأختام المطلوبة توثيقا"
وبعدها عرجت الى أطفالي وزوجتي وقضيتُ بينهم ليلة ثم عدتُ أدراجي الى السجن حيثُ
صاحبي الذي ينتظر

عودتي
في ذلك البرد مسرعا" لأرتمي في حافلة وأنتقل لأخرى... وقبــــل أنتصاف نهار
اليوم الثالث وصلتُ الى أدارة السجن وقدمتُ لهم كفالتي فقالوا لي بأستهجان


ـ
( قد لاتدركهُ .. فهو فـي طريقه الى المستشفى مــــع الحرس لأنــــه أصيبَ
بالأسهال الحاد الشديد منذ ليلة الأمس ))


غادرتُ
مسرعا" الــى المستشفى... دنوت منـــــه ولوّحتُ بأوراق الكفالة أمام وجهه
المحتقن لأشعره بأنني قد وجدتُ له من يناصره فقال لي كلمات هذى بها



(( أشكر مسعاك.. أحتفظ بالكفالة , فهناك من هو أحق بها مني .. الحـ .. ر.. يـيـيـ.....



أحقُ
بها.. مني ........ !!!! .))

نبشنا
السجلات عن عنوان ذويهِ بدقة حتى عثرنا على عنوان قديـــــــــم لم تذكره أدارة السجن
السابق والتي سفرّتهُ الى سجننا وحينَ وضِعت جثتهُ في تابوت على ظهر سيارة ,
تذكرتُ كيفَ كان ينتقي الحلقوم والتفاح والفستق ويعقب : ـــ (( أنني أوفر
حظا"......!! ))


وقتها
أمسكَ بيً مسؤول السجن بقوة من معصمي
محذرا" لي وقال :



سلمهم الجثة , وليكتبوا على لافتة النعي عبارة :


((أُعدمَ بعدما تهجمَ علـــــــــى شخص الرئيس القائد المجاهد <حفظه الله
ورعاه> )) وأضاف محذرا



وأياهم أقامة مجلس فاتحة لهذا الخائن المتمرد...


أجبته:



ولماذا ياسيدي؟ !! فقد مات الرجل !..

بأبتسامة
صفراء أجابني :


ــ
ياغبـــــي , لاأريد أن أدع فرصة التكريم تفلت من يدي فهذا التعبير يعني بسالتكم
أنتم حرس السجن.


نظرت
اليه.. ورمقتُ التابـوت ــ النعش ــ نظـــــــــرة حزن ورددتُ فـــــــــــــــــي
داخلي

ـ((
أناللـــه وأنا اليــــه راجعــــــــــــــــــــــــــــــــــــون
))))





<<< توفي في زنزانة 43/قسم الاحكام الخاصة


سجن أبي غريب.. النزيل المدان/ محمد كاظم وهيب >>>


أنـــــــا للــــــه وانا اليـــــه راجعـــــــــــــــون









بغداد/سجن ابي غريب/قسم الحكام
الخاصة/ 1995

descriptionقصة قصيرة  حلقوم وتفاح وفستق Emptyرد: قصة قصيرة حلقوم وتفاح وفستق

more_horiz
من عمق الألم بلا رتوش ولاتزيين تم توقيع موت شعب على ورق أبيض
متهافتا من خيانات عظمى ومن أقبية الظلام

قصة واقعية شخوصها اخترقت الزوايا والروح فيها تئن برمزية عميقة
ما لفت نظري (( ليسَ لديَ أسرة تنتظر ))
وفكرة الزنزانة المنفردة التي عكست بشكل مترابط فكرة هامة جدا في القصة ألا وهي تميز هذا الفرد كونه من شريحة معينة من المجتمع (( مثلي لايفعل ألا الخير , لذا فمن أنتمي اليهم دون ذلك ))
هذا يدل على ان جذور التغيير لم تأت صدفة ولا من فراغ بل لها جذور عميقة بعيده عن الغوغائية التي تمتعت بها بقية الشخوص والبساطة التي تدل على روتين وحاجة يومية

فهي شخصية مستقلة منفردة جدا واماالعنوان فهو حلقوم ... تفاح ..فستق يباع في السجن أليست من خيرات الوطن فلم هي في السجن ولم السجن إذا للمسجونين دام كل شيء بقبضة اليد
هذا يعني ان البيع تحصيل حاصل لسياسة التفاني في الجشع

(( تراني الآن أوفر حظا" من الآخرين , فمن بأمكانهِ تناول هذه الأشياء الغالية.. ؟!!! ))
هنا رمز الفساد والتمييز والتعاملل بفردية مطلقة حتى في السجن
وخاتمة القصة .......... اختزال لمراحل عديدة يصل إليها الشعب إن لم يفهم قواعد اللعبة جيدا



قصة رائعة بل فاخرة جدا وباذخة الاسلوب والتركيب

تقديري لك أيها المبدع

descriptionقصة قصيرة  حلقوم وتفاح وفستق Emptyرد: قصة قصيرة حلقوم وتفاح وفستق

more_horiz
تعليق اكثر من رائع يحمل بين طياته بحث .. وعمق تجربة ادبية تجتاز الكثير ... تعليقك استاذة شيرين حمل لي نبأ ولادة وامكانية بقاء .. ولادة مبدعين امثالك وبقاء القلم يزهو بنا اصحاب كلمة نكتب ونعزف لنولد الاشياء للأشياء ,,, سعيد جدا" بتواجدي في هذا البرق الباهر البرق الذي لاأراه الا ألقا" لايصافح الا الابداع,,,


مع تحيات القاص العراقي/ثامر ياسين العبيدي

descriptionقصة قصيرة  حلقوم وتفاح وفستق Emptyرد: قصة قصيرة حلقوم وتفاح وفستق

more_horiz
ثامر العبيدي كتب:
تعليق اكثر من رائع يحمل بين طياته بحث .. وعمق تجربة ادبية تجتاز الكثير ... تعليقك استاذة شيرين حمل لي نبأ ولادة وامكانية بقاء .. ولادة مبدعين امثالك وبقاء القلم يزهو بنا اصحاب كلمة نكتب ونعزف لنولد الاشياء للأشياء ,,, سعيد جدا" بتواجدي في هذا البرق الباهر البرق الذي لاأراه الا ألقا" لايصافح الا الابداع,,,


مع تحيات القاص العراقي/ثامر ياسين العبيدي



هذا وسام فخر لنا أيها المبدع
اهلا بك نجما تجري إليه الفضاءات

تحيتي والتقدير

descriptionقصة قصيرة  حلقوم وتفاح وفستق Emptyرد: قصة قصيرة حلقوم وتفاح وفستق

more_horiz
البرق اللامع
ثامر العبيدي

قصة ارتكزت على المذهب الواقعي الذي يمتاز بالعادة بالاسلوب الحكائي الانا المباشر وهذا ما جعل النص يتسارع ورغم المحور الاساسي الا انه برزت دالة الغربة بشكل جلي من خلال التصوير الدقيق للعواطف المنبثقة من المشخصات وما تتحمله في دواخلها من بناء رصين للحدث اثناء الحدث وللمشهد اثناء المشهد

ابدعت وليس بغريب

تقديري



privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى