لمقاطع الزمنية في تراتيل أنثى / الصباح والنهار واللازمن

اذكر القارئ الكريم انه في الحلقات السابقة تعرضنا للمقاطع الزمنية وقد تناولنا ( الليل والمساء والفجر ) وهذه الأوقات الثلاثة تمثل نصف اليوم بالمعنى الدقي وقد تناولت شاعرتنا هذه الأوقات بشيء من التفصيل لارتباطها بهذا الزمن ترابطا قد يكون من الصعب عزله وإدراجه في ما حوليات النص المكتوب إذ يمثل هذا النصف اغلب كيان شاعرتنا فاطمة الفلاحي .
وهذه إحصائيات تبين قولنا الآنف وتدل عليه :
إن تراتيل أنثى تتناول خمس مقاطع زمنية محددة وسادسة ضمت وقتا تناقضيا للزمن يعبر عنه ( لا زمن ) وقد يطلق على هذه اللا معنى ضديا عند البعض ، وهذا ليس غاية تأملاتنا .
لقد جاء ذكر ( الليل – المساء – الفجر – الصباح – النهار ) في تراتيل أنثى وفق هذه الأعداد :
ذكرت كلمة الليل في 3 مناسبات .
ذكرت كلمة المساء ومشتقاتها في 5 مناسبات .
ذكرت كلمة الفجر في 7 مناسبات .
ذكرت كلمة الصباح في 6 مناسبات .
ذكرت كلمة النهار في مناسبة واحدة فقط .
وأنت تلاحظ إنها أولت للمقاطع الزمنية اهتماما واسعا لذلك الترابط الذي ذكرناه وتستطيع أيها المتأمل بنظرة بسيطة أن تعرف إلى أين تتوجه تراتيل أنثى إنها بالفعل تميل إلى الجانب المظلم القاتم الجانب الذي يمثل تلك الخلوة والوحدة للفرد ولا بد أن تكون اوقاتا متأخرة عما هو المألوف والمتعارف بين الناس خاصة وقت الفجر والذي يعتبر الوقت الأنسب للنوم تذكره الشاعرة أكثر الأوقات في تراتيلها عددا ولا بد إن هناك تلازم خاص بين هذا الوقت وبين هذا الكيان .
فنصف اليوم ذكرته الشاعرة 15 مرة بينما النصف الآخر لم تذكره إلا 7 مرات أي اقل من النصف .
ولو تعمقت معي وتأملت لرأيت إن اغلب ذكر الصباح جاء مرتبطا بذكر الفجر وكأنها تشير إلى هذا المزيج المكون من هذين الوقتين لتجعل منهما وقتا واحدا

نغسل الفجر
ليأتينا الصباح
( مقطع من القصيدة 7 طهر )

وسأهديني من شفة فجرك
تآويل الصباحات
( مقطع من القصيدة 12 تأويل )

لأغزل الفجر عطراً
ولأقتل ظلاماً
من رماد طوقني
فأحرقتني أنفاس الصباح
( مقطع من القصيدة 16 إليه )

وفي أديم الصباحات
يلملم الفجر أحلامي الضائعات
( مقطع من القصيدة 18 وجع )

بأناملٍ تختبئ في إنثيالات الفجر
متشظية بعطر الصباحات
( مقطع من القصيدة 19 سفر الإحزان )

لقد جمعت الشاعرة وقت الصباح مع الفجر في خمس مناسبات من أصل ست ذكرت لهذا الوقت ... وهي ترغب بما لا يقبل الشك بإزاحة فجرها وإشراق ذلك الصباح وهذه الرغبة دائمة الاستمرارية فكل فجر وهو وقت يبرز كل يوم نرى تلك اللهفة لانتهائه ، ؟؟؟
فالصباح عند شاعرتنا وجه آخر للفجر بالرغم من المساواة الحاصلة أحيانا بينهما
فنرى إنها تريد أن تغسل الفجر تارة ليأتي الصباح ، وتارة أخرى تخبرنا :

تتأرجح بالجراح
فيئن الصباح
بأحزانه فينا
( مقطع من القصيدة 4 تباركني الجراحات )

انه لتضاد في ذلك الكيان تغسل الفجر بصباح كله جراح وأحزان ... وهذا هو الحال أكيدا ما دام الوقت متداخلا ضمن القدر أو الحتمية التاريخية فالعالم الخيالي عند شاعرتنا جامع لهذه التناقضات فهي تريد الصباح ولا تريده أو ربما إن جراح الصباح اقل وطأة من أحزان ذلك الفجر الكئيب ، إنها مجموعة من الصور التي امتزجت فيما بينها لتكون إحدى الحكايات .
ولا تنس أيها المتأمل إن في هذه المقاطع عددا كبيرا من التشبيهات البلاغية والاستعارات التمثيلية والمزج اللغوي وحتى لا تفوتنا التأملات أفردنا لهذا الكم الهائل من التشبيهات حلقات مستقلة ستنشر تباعا .
إذن الصباح عند شاعرتنا حاله حال بقية الأوقات .
وهو ما يكاد يكون واضحا .
أما النهار فلم يرد إلا في مناسبة واحدة :
وفي أديم الصباحات
يلملم الفجر أحلامي الضائعات
ويودعه للغيم
ليقتفي آيات النهار

فهذا النهار لا وجود له في حياة شاعرتنا وهو ملحق بالصباح وبالفجر وهو دلالة على اختفاء ذلك الكيان في وضح النهار .
وباستخدام هذا الأسلوب الرمزي الممزوج بذلك الأسلوب التعبيري نستدل أن الأوقات هي عبارة عن أحداث أوضحها السعادة والشقاء فالليل هو الشقاء والنهار هو السعادة ولا سعادة تذكر في تراتيل أنثى إلا تلك السعادة الذائبة بين تراكمات هذه الأحداث المتعاقبة ...

أما اللازمن فتجعله شاعرتنا في سويداء لا شعورها محتفظة به لذاتها وحدها حيث لا شريك له ولا ند ينافسه :

فأَرْتَديك ثوبا من جنون
فيمتهننا الوله
بلا زمن
( مقطع من القصيدة 11 سفر )

تأمل في هذه العبارات ( ارتديك ثوبا ) إحدى الأمنيات المستحيلة ( من جنون ) بلا معنى لها ( فيمتهننا الوله ) احد التعابير الرمزية الدالة على تلك الأماني ( بلا زمن ) أي في داخلي وفي لا شعوري محتفظة به خارج حدود هذا المكان والزمان الذي يحتويني ... فتراتيل أنثى ذهبت لمرة واحدة إلى تلك المنطقة المحرمة في المذهب الواقعي والمذهب الوجودي وتسلقت عبر منافذ الرومانتيكية لتجد الألفاظ قاصرة والتعابير قاصرة عن بلوغ تلك الجادة ...

ولم ننته بعد سادتي المتأملين ، فلدينا مزيد ومزيد