الإيقاع الداخلي في تراتيل أنثى
يختلف الشعر الحر عن شعر التفعيلة بكونه يعتمد على إيقاع داخلي يتبع الأفكار المطروحة فيه لذا وجدنا الشعراء خاصة في الحر يتركون الوزن نهائيا ويعتمدون على الأفكار وهذا من الخلط أكيدا فالشعر الحر وان كان تعبيرا عن أفكار إلا لن الإيقاع الداخلي مطلوب في الشعر عموما خاصة الإيقاع الداخلي .. وهذا الإيقاع يختلف عما يسمى بشعر التفعيلة حيث إن الأخير يجب إن يعتمد على نظام وزني خاص وإلا لم يكن شعرا ...
إننا نفرق بين ما يسمى خاطرة وبين ما يسمى شعرا ، وهذا ما لمسناه من البعض حيث اخذ المعنى اللغوي لكلمة الشعر وأطلق عن كل ما يقوله ويتلفظ به شعرا حتى مع عدم وجود الإيقاع الداخلي وبهذا ضاعت الخواطر عند أفراد عاجزين وهمهم الوحيد إن يطلقوا على أنفسهم ( شاعر ) .
إذن هل استطاعت الشاعرة إن تجعل في قصائدها إيقاعا داخليا بعد إن استغنت عن القافية ولم تجعل لها النصيب الأوفى ، لنأخذ عددا من المقاطع ونرى ما فيها من إيقاع :
القصيدة الأولى : (( اختناقات ))
يقتُلُني الليل
مفتعلن فاع
حين تحرقني الذكريات
فاعلن فعلن فاعلان
أنطفأ
فاعلن
و تقصمَني الأمنيات
مفاعلتن فاعلان
فيرتلني الوجع
فعلن فعلن فعو
مدناً خاويةً
فعلن فاعلن
أتعبتها إختناقاتُ الأحلام
فاعلاتن فاعلن فع لن فع لان
و تشتتْ أعماقي فيك
فعلن فع لن فع لن فاع

قلنا إن الشعر الحر يعتمد في إيقاعه الداخلي على ما هو مطروح من أفكار وفي هذه القصيدة تلمس بوضوح وجود الإيقاع صريحا حيث يغلب على هذه القصيدة إيقاع بحر المتدارك بإضافة بعض اللمسات الوزنية عليه ولكنه احتفظ بالإيقاع الرئيسي وبالرغم من رقي المعنى لم تنجرف الشاعرة إلى التخلي عن هذا الإيقاع بل وإضافة فيه نوع من التقفية زاد المعنى جمالا
القصيدة السادسة : (( أماني ))
تؤرجِحُني في تلابيب قلبك
مفاعلتن فاعلن فاعلاتن
وترسمني قطرات ندى
مفاعلتن فعلن فعلن
ثمَّ تحملُني وفراشاتك
فاعلن فعلن فعلن فع لن
صوب الحقول
فع لن فعول
لتغرسنا
مفاعلتن
ينابيع ضوء
فعولن فعول
يعابث لغبي
مفاعل فعلن
ويغازل جراحي
فعلن فعلتن
ونزفي
فعولن
وتقول أكون أو لا أكون
فعلن فعلن فعو فاعلان

نلاحظ أن الإيقاع الداخلي لهذه القصيدة لم يأت على وتيرة واحدة كما في قصيدة (( اختناقات )) بل نشاهد تنقلات إيقاعية فرضها انتقال الشاعرة بين عدد من الافكار التي تكاد تكون متنوعة النسيج ...
فقد شاهدنا مزيجا من التفعيلات مختلطة بين المتدارك والمتقارب ولكن في قولها (( يعابث لغبي )) شاهدنا ان الايقاع قد انقطع حيث جاءت الشاعرة بخمسة حركات وهو الامر الذي جعله نثرا خالصا ، واذا كان هناك تساؤلا من المعجبين بشعر النثر فأقول لهم ان الاصل النقدي الذي ابتنيه في تاملاتي قائم على ابعاد شعر النثر من كونه شعرا لان الشعر عندي اما ان يكون ذو شطرين مقفى باي نوع من التقفية ( مثلثات / مربعات / مخمسات ) ا وان يكون قائما على التفعيلة مقفاة فقط لان شعر التفعيلة اذا لم يكن مقفى يكون مجرد سرد او هو ما يصطلحون عليه ( بندا ) وهو احد انواع النثر باتفاق الجميع وعندي ايضا ان الشعر الحر يجب ان يكون فيه ايقاع داخلي فان فقد الايقاع نهائيا فهو ليس بشعر .
فاقول : ان قصيدة (( اماني )) كان فيها ايقاع داخلي الا في قولها ( يعابث لغبي ) فان الايقاع قد اختل ولكنها استعادت هذا الايقاع بما بعده من المقاطع .
القصيدة (( 27 )) : (( تميمة )) .
كنت تخبئني تميمة
مفتعلن فعلن فعولن
لتتعوذ من مثار الدمع
فعلتن فعلن فعولن فعو
حين يستظلك غيابي
فاعلن فعول فعلاتن
أو يتشحك غبار النسيان
مستفعل فعلتن فعولن فعول
أو حين يربكك
مستفعلن فعو
عشب ضلالتك
مفتعلن فعو
ومن ذاكرتي العاثرة
فعولن فعلن فاعلن
يمرقني خيال أحلامي الجريح
فعلتن مفاعلن مستفعلان
فأتهاوى مقصومة الثبج
فعلتن فع لن فاعلن فعو
وبَطُل سحر التميمة
فعلت مستفعلاتن

إن هناك نوعا من الانتقال الايقاعي في مقاطع هذه القصيدة ففي المقاع الاولى نجد إن الإيقاع كان مزيجا من المتقارب والمتدارك ثم انتقلت الى التسارع بايقاع رجزي ورغم بعض الطفرات النثرية التي دخلت في القصيدة إلا انها حافظت على ايقاعها ولم تغرق في النثر ... واحب إن اضيف شيئا مهما حاصله إن الشعراء عندما يرتقون في صب افكارهم تصعب عليهم السيطرة على الإيقاع الداخلي وربما فقدوه نهائيا كما هو حال من يطلق على النثر اسم الشعر ولكن شاعرتنا استطاعت بحسها إن تسيطر على هذا الإيقاع بالرغم من سمو افكارها والتي من الصعوبة معها السيطرة على هذا الإيقاع .

وعلى كل حال فلو راجعت جميع القصائد في هذا الديوان لوجدت إن الإيقاع الداخلي موجود وهو شيء تمتاز به فاطمة الفلاحي في هذا الديوان بل لقد تألقت فيه .
ولولا الاطالة لاخذنا جميع القصائد إلا إن في ما ذكرناه كفاية .