إن الله يدافع عن الذين آمنوا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله عدد خلقه و زنة عرشه و رضاء نفسه و مداد كلماته و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و من والاه

أما بعد :

تحية طيبة لكم جميعا إخوتي الكرام و أهلا و مرحبا بكم مع خاطرة قرآنية جديدة

وقفتي معكم اليوم ستكون مع الجزء السابع عشر من القرآن الكريم و مع آية عظيمة رائعة مريحة للنفس تبعث الأمل و تحيي القلوب وردت في سورة الحج


بسم الله الرحمن الرحيم

(( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴿٣٨﴾))

إخوتي

في أيامنا الصعبة و قد تكالبت علينا كل الأمم و تسابق الجميع لقتلنا و نهب خيراتنا و ظلمنا

كم نحن بحاجة لقوة تحمينا

لمن يدافع عنا

فما بالكم لو دافع عنا القوي العزيز الله سبحانه و تعالى ؟

أي حصن حصين نحتمي به أشد من دفاع الله تعالى عنا ؟

و كيف نكون جديرين بدفاع الله عز و جل عنا ؟

من الآية يتضح لنا أن الشرط الساسي لدفاع الله تعالى عنا هو الإيمان

و الإيمان ليس مجرد كلمة تقال بل هو عقيدة راسخة عميقة متكاملة و عهد و ميثاق و أحكام

الإيمان يقين تام بالله و توكل عليه جل في علاه

الإيمان بالقلب و ليس باللسان فقط

الإيمان بكل أركانه : الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره

و لهذا فالإيمان يقتضي أن تسلم الأمر لله في السراء و الضراء و ليس الإيمان أن تنتظر الخير فقط و تيأس و تقنط عند الابتلاء

و نجد هذا المعنى جليا في نفس السورة في قوله تعالى :

(( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١١﴾ ))

فعندما تكون عبادتك لله هشة و إيمانك به ضعيف فلن تنجح في الامتحان و لن تكون جديرا بدفاع الله تعالى عنك

فالأصل أن تكون على يقين تام من رحمة الله و أن تعبده في الضراء كما تعبده في السراء

و ليس الإيمان أن تنهار أمام المحن و الفتن و تضعف و تيأس فهذا خسران ما بعده خسران


و من أسباب أن نكون جديرين بدفاع الله عنا التوحيد و التوحيد هو أساس الإيمان و هو أن تعبد الله وحده لا شريك له و يشمل توحيد الألوهية و توحيد الربوبية

و لنا وقفة مفصلة مع التوحيد بإذن الله

و لهذا فقد كان الشرك سقوطا نحو الهاوية

و نجد هذا في نفس السورة أيضا في قوله تعالى :

(( حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿٣١﴾))

فمن يشرك بالله أشبه بريشة في مهب الريح بلا معين أو حفيظ و العياذ بالله

و الشرك أنواع كثيرة و ليس هو فقط عبادة الأصنام أو اتخاذ إله مع الله وحسب بل هو أن يتعلق قلبك بغير الله

أن تخاف من الناس أكثر من خوفك من الله

أن تحب ذاتك و مالك و شهواتك أكثر من حبك لطاعة الله و امتثال أوامره

و لا ننسى الشرك الأصغر و هو الرياء بمعنى أن تقوم بالعمل دون أن تبتغي به وجه الله بل لتحصل على الثناء و الشهرة و الصيت الحسن


و لهذا فإن تعظيم شعائر الله من الأمور التي تجعلنا جديرين بدفاعه عنا

(( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢﴾ ))

و التقوى أيضا من شروط أن نكون جديرين بحماية الله و دفاعه عنا

و لهذا بدأت سورة الحج بنداء رباني عام لكل الناس و ليس فقط للمؤمنين

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴿١﴾ ))

و التقوى هي امتثال الأمر و اجتناب النهي

التقوى هي الخوف من الله و السعي لرضاه

و كما قال تعالى :

( و من يتق الله يجعل له مخرجا )

فالتقوى طريق الفلاح و النجاة و النصر



و من الأمور الجالبة لدفاع الله تعالى عنا : الصبر

فالصبر كما يقال مفتاح الفرج

و كل إنجاز لا بد من وجود الصبر فيه

و الله تعالى يحب الصابرين و يؤيدهم بنصره و توفيقه

و لهذا أدخل الله الصابرين مع المخبتين

و المخبتون بالنص القرآني هم

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿٣٥﴾


و هي آية في سورة الحج أيضا

و لهذا فالإخبات أيضا من الأمور التي تجعلنا جديرين بدفاع الله عنا

أن تشعر بالخشوع كلما ذكر الله و أن تصبر على ما أصابك و أن تقيم الصلاة و أن تنفق في سبيل الله

و الصبر أنواع و منها الصبر على الطاعة و الصبر عن المعصية و الصبر على المكروه

و لنا معه وقفة خاصة و شاملة لاحقا


و من أهم الأمور التي تجعلنا جديرين بدفاع الله عبادة الله تعالى حق عبادته و مفهوم العبادة مفهوم واسع جدا يحتاج لمجلدات كي نتكلم عنه

و لكن نرى ملامح العبادة مختصرة في آية واحدة و نداء رباني ورد في آواخر سورة الحج

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩﴿٧٧﴾ ))

فالعبادة هي ركوع و سجود و عمل خير

ليست العبادة شعائر فقط بل هي منهاج حياة كاملة

هي أن تفعل الخير و أن تصلي

و أبواب الخير كثيرة جدا و لنا وقفة معها لاحقا بإذن الله تعالى


و الجهاد في سبيل الله أيضا من الأمور التي تجعلنا جديرين بدفاع الله عنا

فليس التوكل أن نجلس منتظرين نصر الله و دفاعه عنا بل علينا أن نعد العدة و أن نقاتل في سبيل الله

(( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴿٧٨﴾


و من أعلى درجات الجهاد جهاد النفس و كبح جماح الشهوات و حصار المعصية بالطاعات

و الاعتصام بالله سبب آخر من أسباب أن نكون جديرين بدفاع الله تعالى عنا

و الاعتصام بالله يقتضي اللجوء إليه و التوكل عليه و اتباع الأمر و اجتناب النهي و السير على شرع الله و منهجه الذي ارتضاه لنا


و أختم بأمر رائع يجعلنا جديرين بدفاع الله تعالى عنا ألا و هو الدعاء

نعم إخوتي

لا تستهينوا بالدعاء

قد نكون اليوم ضعفاء و لا نملك السلاح و القوة و قد يبدو النصر صعبا و دماؤنا تسيل في كل مكان

لكن الدعاء أقوى سلاح

تأملوا معي سورة الأنبياء في نفس الجزء السابع عشر

تأملوا سيدنا أيوب عليه السلام و قد ابتلاه الله تعالى بالمرض فدعاه متوكلا عليه موقنا بإجابته

(( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿٨٣﴾ ))

فاستجاب له ربنا الكريم العظيم و نجاه و رحمه

(( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴿٨٤﴾))

و ها هو سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت و في الظلمات في أصعب بلاء و ظروف ينادي ربه فيدعوه موقنا بإجابته و رحمته

(( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٨٧﴾ ))

فاستجاب له ربه و نجاه من الغم بل و وعدنا جميعا بالنجاة لو كنا مؤمنين

(( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴿٨٨﴾ ))

و ها هو سيدنا زكريا عليه السلام يدعو ربه بالولد الصالح الذي يحمل الرسالة و يكمل الدرب فيستجيب له و يرزقه بابن صالح بل و نبي كريم هو سيدنا يحيى عليه السلام

(( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴿٨٩﴾ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴿٩٠﴾))


فلنثق بالله و لندعه و لنتوكل عليه و سينصرنا و يرزقنا و يدافع عنا

اللهم دافع عنا فإننا ضعفاء

اللهم إنا نحتمي بك فاحمنا و لا تسلمنا و احفظنا من كل سوء و اكفنا كل شر و أدخلنا في رحمتك يا أرحم الراحمين