ولد في فورتمبرج بألمانيا في 2 يوليو 1877 من أسرة دينية تغلب عليها التقوى والورع، فقد كان أبوه مبشراً وقسيساً، وقد اختار لابنه مصيرا كمصيره،فأدخله ديرا بروتستانتيا يعرف بدير ماولبرن ليتخرج فيه راعيا ومبشرا كأبيه. وابتداء من دخول هذا الدير كانت حياة هرمان سلسلة من التمردات والثورات. فلم يلبث الصبي أن ثار على هذا التعليم الديني الصارم، على الرغم من اعتراف أساتذته جميعاً بأنه تلميذ نموذجي بكل المقاييس، فلم يمكث في هذا الدير أكثر من نصف عام هرب بعدها متمردا على البيت والتعليم الديني على حد سواء. ولم يجد أبوه بدا من إلحاقه بالتعليم المدني «العلماني»، إلا أن الفتى المتمرد لم يتكيف أيضاً مع هذا النوع من التعليم، وكان نفوره من التعليم المدرسي بكل أشكاله حاداً إلى درجة هدد معها بالانتحار إذا هو أرغم على البقاء في المدرسة. وانتهت هذه الفترة من حياته بانقطاعه تماما عن التعليم التقليدي واشتغاله «صبي» ميكانيكي في إحدى الورش، ثم بائع كتب في مدينة توبنجن، ثم في مدينة بال حيث استقر فيها منذ سنة 1899.. وقد سجل اشمئزازه وتقززه من قيود الحياة المدرسية التقليدية في روايته «تحت العجلة». وبانقطاعه عن العلم بمعناه الأكاديمي، عكف على القراءة الحرة وعرف منذ ذلك الحين بنهمه إلى الاطلاع والدراسة والبحث، وأتاحت له مهنته كبائع كتب الاتصال بأوساط المثقفين والأدباء، وبدأ في مراسلة الصحف الأدبية كاتبا للمقالات والقصص بالقطعة. وظهرت أولى رواياته «بيتر كامنتسند» في عام 1904 فصادفت نجاحا ملحوظا، وكان موضوعها هو تمرد الأبناء على الآباء، وفيها يبسط تجربته في فترة التمرد الأولى على الأسرة والمدرسة، واختار أن يكون بطلها كاتبا فاشلا مشتتا لم يستقر على أهدافه بعد. وأردفها برواية «جرترد» (1910) فيها يواصل التنقيب في نفسية الفنان وفحص حياته من الداخل والخارج على السواء. وفي سنة 1911 رحل هرمان هسه إلى الهند طلبا للاستجمام، وهربا من الأزمات التي أخذت تتدافع على أوربا حتى أودت بها إلى الحرب العالمية الأولى. فكانت هذه الرحلة فرصة أتاحت له التفكير - عن بعد - في متناقضات العالم الحديث. وكانت ثمرة هذه الرحلة رواية (روسهالده) (1914) التي يرحل فيها البطل إلى الهند كما رحل «هسه» ورواية أخرى ظهرت بعد ذلك بثماني سنوات هي رواية (سيدهارتا) (1922). ولما نشبت الحرب العالمية الأولى كان تأثر «هسه» بها تأثرا بالغا، فقد كان طيلة حياته مستنكرا نافرا معاديا للروح العسكرية الألمانية التي سادت هذه الفترة. وقد حاول أن يفعل ما فعله صديقه الفرنسي الكاتب الإنساني الكبير «رومان رولان» فيقف بمعزل عن الجماهير، متأملا هذه الكارثة الكونية التي لم ينج من آثارها المدمرة شارد ولا وارد. فسافر إلى سويسرا المحايدة عدة مرات، وأخذ يكتب النداء تلو النداء ضد الروح العسكرية والقومية، إذ يعتقد أن هذه الروح هي سبب البلاء. كما أقدم على تحرير صحيفة للأسرى والمعتقلين الألمان. ثم قرر الإقامة في سويسرا نهائياً في سنة 1919 وظل مقيما بها حتى اكتسب الجنسية السويسرية في عام 1923، وبها قضى بقية حياته حتى وفاته في مدينة مونتانيولا في 9 أغسطس سنة 1962. وكانت حياته في فترة الحرب مأساوية إلى أبعد حد، فبالإضافة إلى صدمة الحرب العنيفة التي اكتوى المثقفون وغير المثقفين بنيرانها، توالت عليها الصدمات الشخصية، فأصاب ابنه الأصغر مرض عضال، وفشلت زيجته الأولى، وتوفي أبوه، وكانت نفسه نهبا لصراعات نفسية وذهنية حادة ألجأته في نهاية الأمر إلى مستشفى للأمراض النفسية والعصبية على مقربة من لوسرن، وأشرف على علاجه الدكتور ج.ب. لانج وهو أحد تلاميذ العالم النفساني السويسري كارل يونج واستغرق علاجه 72 جلسة في التحليل النفسي. وفي هذه الفترة كتب هسه رائعته التي أطارت شهرته في أوربا كلها، وأذاعت صيته في العالم أجمع وهي رواية «دميان» (1919). وفي هذه الرواية تعبير عن قلق تلك الفترة وعذاباتها، ويظهر فيها تأثير التحليل النفسي عليه، وأثر تعرفه بيونج ونظريته في الانطواء والانبساط واللاشعور الجمعي والنزعة المثالية والرمزية، وتنقية الطبيعة البشرية.. وتوالت بعد «دميان» سلسلة «السير الروحية» :فجاءت «سيدهارتا» (1922) محاولة لحل التناقضات التي تتنازع فكره في جو أسطوري هندوكي، ثم روايته الشهيرة «ذئب الاستبس» أو البراري (1927) التي تعد من أشد رواياته أصالة، وفيها يدور الصراع الدرامي بين التسليم البورجوازي والتمرد الفطري الغريزي في الإنسان. وكان الصراع الأبدي الناشب بين الروح والجسد - وهو صراع تلمسه واضحاً في رواياته المبكرة، ومنها رواية سيدهارتا- من الموضوعات التي شغلت هسه دائماً، وعن هذا الصراع تدور روايته «نرجس وفم الذهب» (1930) وترجمت بالإنجليزية تحت عنان «الموت والعاشق» (1932) بين بطلين أحدهما زاهد عقلاني مثقف قانع بالعقيدة المقررة، والآخر فنان حسي متمرد يسعى وراء خلاصه الخاص. ويعود «هرمان هسه» إلى الشرق ملتمسا العزاء الروحي والفكري مرة أخرى في كتابه Die Morgenlandfahrt (1932) وترجم إلى الإنكليزية تحت عنوان «رحلة إلى الشرق» وهي قصة حج وأسطورة، وفيها يظهر تأثير «يونج» واضحا في دراسته للرموز والأساطير في التراث الشرقي القديم.. ويلغ هسه ذروة إنتاجه في رواية «لعبة الكريات الزجاجية» (1943) وهي آخر رواياته وأطولها. وقد ظهرت والحرب العالمية الثانية مشتعلة الأوار، وحاول فيها المؤلف تسجيل وصيته الأخيرة للعالم، فوضع فيها خلاصة تجاربه وفلسفته التي تعد نسيجا أصيلا تضافرت في صنعه الفلسفات الشرقية والغربية. وتدور الرواية حول صفوة من الرجال الممتازين عزلوا أنفسهم في مقاطعة مغلقة بعيدة عن صخب الحياة وضوضائها، وحاولوا تركيز كل إبداعات الروح الإنسانية ومخترعاتها في نوع من الجبر الرمزي. وفي هذه الرواية يعود هسه إلى تلك الثنائية التي شغلته طيلة حياته بين الروح والجسد، ويغامر بطلها جوزيف بحثا عن نزعة إنسانية إيجابية. ويضمنها هسه بعض قصائده التأملية التي كتبها في الأسابيع الأخيرة من حياته. وكانت هذه الرواية سببا في حصوله على جائزة نوبل للآداب في سنة 1946. ويعد «هرمان هسه» هو ومعاصره الكاتب الألماني الكبير «توماس مان» (1875-1955) من رواد المدرسة التأثرية الألمانية، وهي المدرسة التي تمثل إنعطافة أساسية في الأدب الألماني منذ ظهور «جوته» وكانت ابتعادا وخروجا على تقاليد المذهب الواقعي الذي يهتم بتفاصيل الحياة اليومية، وتقديم شريحة من العالم الخارجي للقارئ. أما أسلوبه فيجمع بين الوضوح الموضوعي الدقيق، والشاعرية الصافية الشفافة، كما يمتاز بالإيجاز الشديد .