البلاغة بفنونها الثلاثة "المعاني - البيان - البديع" وسائر الفنون الأدبية التي نبَّه
عليها أدباء العرب، وكذلك سائر المذاهب الأدبيّة المستوردة من الشعوب غير
العربيّةِ ليست إلاَّ بحوثاً وتتبُّعاتٍ لاكتشاف عناصر الجمال الادبيّ في الكلام،
ومحاولات لتحديد معالمها، ووضع بعض قواعدها، دُون أن تستطيع كلُّ هذه
البحوثِ والدّراساتِ جَمْع كلِّ عناصر الجمال الأدبِيّ في الكلام، أو استقصاءها،
واكتشاف كلّ وجوهها.
فالجمال كثيراً ما يتذوّقه الحسّ الظاهر والشعور الباطن، دون أن يستطيع الفكر
تحديد كلّ العناصر التي امتلكت استحسانه وإعجابه، وإنْ عرف منها الشيء
الكثير، واستطاع أن يُفْرِزَه ويُحَدّد معالمه.
إنّ آفاق الجمال أوسع من أنْ تُحَدَّدَ أو تُحْصَرَ بأُطُرٍ مقاييس، ولكن يمكن اكْتشَافُ
بَعْضِ عناصرِ الجمال، وكُلِّيَّاتِه العامّة، وطائفةٍ مِنْ ملامحه.
والْغَرَضُ من عرض الباحثين لفنون البلاغة وعلومها، وللمذاهب الأدبيّة
المختلفة، وللأمثلة الأدبيّة الراقية المقرونةِ بالتحليل الأدبي والبلاغي، تَرْبيةُ
القدرة على الإِحساس بعناصر الجمال الأدبيِّ في الكلام ا لأدبيّ الرفيع، وتربية
القدرة على فهم النصوص الجميلة الراقية، والقدرة على محاكاة بعضها في
إنشاء الكلام، والقدرة على الإِبداع والابتكار لدى الذين يملكون في فطرهم الاستعداد لشيء من ذلك.
وليس الغرض من دراسة هذه الفنون والعلوم والمذاهب والنصوص، الجمودَ في
قوالِبِ ما اسْتُخْرجَ من العناصر الجمالية، وما وُضع من قواعد، دون اكتساب
الإِحساس المرهف بمواطن الجمال، لتقديم الأفكار، وصياغة الكلام صياغةً أدبيّة بليغة.
فَمَع ضرورة التَّسلْح بهذه الدراسة، والاطلاع الواسع على النصوص الأدبيّة
الجميلة الراقية، ودراستها دراسةً تَحْلِيلِيَّةً تكشفُ من جوانب الجمال والإِبداع
فيها على مقدار اسْتِطَاعَةِ الْمُحَلّل، لا يصِحُّ بحالٍ من الأحوال الجمود عندها دون
محاولات الابتكار والإِبداع والتجديد، بشرط أَنْ يكون ذلك الابتكار قادراً على انتزاع
إعجاب ذوي الإحساس المرهف، والذَّوْق الرَّفيع في إدراك الكلام الأدبيِّ الجميل البليغ.
هذه الحقيقة لا بُدَّ من ملاحظتها دواماً لدى أيّةِ دراسَةٍ بلاغيّةٍ وأدبيّة، ولد إنشاء أي نصًّ أدبيّ جديد.
ومن الخير دواماً لكّ كاتب أو مُنْشِىءٍ أو شاعرٍ أن يحْذَرَ منْ أنْ يضَعَ الصورة الأدبيَّةَ
الّتِي دَرَسَها بلاغيّاً أو أدبيّاً، وينشِىءَ كلامَهُ على قَالَبِها، فإذا فَعل ذلِكَ أَفْسَدَ
كلامه، وشوّه روح القاعدة البلاغيّة أو الأدبيّة، وإن التزم بصورتها.
إنّ تربية الذوق والملكة البيانيّة، مع تلقائيّة الأداء التعبيريّ لدى إنشاء الكلام
كتابةً أو ارتجالاً، عند منْ يَمْلك الاستعداد لأن يكون أديباً بليغاً، هي الكفيلة
بتفجير الإِبداع المطلوب في الأدب، بشرط عدم الخروج عن ضوابط قواعد اللّغة وأصول البيان.
ومن جيّد ما قرأت في التعريف بخير الكلام، قول "خالد بن صَفْوان" وهو من
فصحاء العرب المشهورين، كان يجالس عُمَر بن عبدالعزيز، وهشام بن
عبدالملك، توفي نحو (133 هجرية):
"خَيْرُ الكلام مَا طَرُفَتْ مَعَانيه"، وشَرُفَتْ مَبَانِيه، والْتَذَّه آذان سَامِعِيه". عن لسان العرب في مادة "طرف".
***
عبد الرحمن الميداني /93 -مكة المكرمة
عليها أدباء العرب، وكذلك سائر المذاهب الأدبيّة المستوردة من الشعوب غير
العربيّةِ ليست إلاَّ بحوثاً وتتبُّعاتٍ لاكتشاف عناصر الجمال الادبيّ في الكلام،
ومحاولات لتحديد معالمها، ووضع بعض قواعدها، دُون أن تستطيع كلُّ هذه
البحوثِ والدّراساتِ جَمْع كلِّ عناصر الجمال الأدبِيّ في الكلام، أو استقصاءها،
واكتشاف كلّ وجوهها.
فالجمال كثيراً ما يتذوّقه الحسّ الظاهر والشعور الباطن، دون أن يستطيع الفكر
تحديد كلّ العناصر التي امتلكت استحسانه وإعجابه، وإنْ عرف منها الشيء
الكثير، واستطاع أن يُفْرِزَه ويُحَدّد معالمه.
إنّ آفاق الجمال أوسع من أنْ تُحَدَّدَ أو تُحْصَرَ بأُطُرٍ مقاييس، ولكن يمكن اكْتشَافُ
بَعْضِ عناصرِ الجمال، وكُلِّيَّاتِه العامّة، وطائفةٍ مِنْ ملامحه.
والْغَرَضُ من عرض الباحثين لفنون البلاغة وعلومها، وللمذاهب الأدبيّة
المختلفة، وللأمثلة الأدبيّة الراقية المقرونةِ بالتحليل الأدبي والبلاغي، تَرْبيةُ
القدرة على الإِحساس بعناصر الجمال الأدبيِّ في الكلام ا لأدبيّ الرفيع، وتربية
القدرة على فهم النصوص الجميلة الراقية، والقدرة على محاكاة بعضها في
إنشاء الكلام، والقدرة على الإِبداع والابتكار لدى الذين يملكون في فطرهم الاستعداد لشيء من ذلك.
وليس الغرض من دراسة هذه الفنون والعلوم والمذاهب والنصوص، الجمودَ في
قوالِبِ ما اسْتُخْرجَ من العناصر الجمالية، وما وُضع من قواعد، دون اكتساب
الإِحساس المرهف بمواطن الجمال، لتقديم الأفكار، وصياغة الكلام صياغةً أدبيّة بليغة.
فَمَع ضرورة التَّسلْح بهذه الدراسة، والاطلاع الواسع على النصوص الأدبيّة
الجميلة الراقية، ودراستها دراسةً تَحْلِيلِيَّةً تكشفُ من جوانب الجمال والإِبداع
فيها على مقدار اسْتِطَاعَةِ الْمُحَلّل، لا يصِحُّ بحالٍ من الأحوال الجمود عندها دون
محاولات الابتكار والإِبداع والتجديد، بشرط أَنْ يكون ذلك الابتكار قادراً على انتزاع
إعجاب ذوي الإحساس المرهف، والذَّوْق الرَّفيع في إدراك الكلام الأدبيِّ الجميل البليغ.
هذه الحقيقة لا بُدَّ من ملاحظتها دواماً لدى أيّةِ دراسَةٍ بلاغيّةٍ وأدبيّة، ولد إنشاء أي نصًّ أدبيّ جديد.
ومن الخير دواماً لكّ كاتب أو مُنْشِىءٍ أو شاعرٍ أن يحْذَرَ منْ أنْ يضَعَ الصورة الأدبيَّةَ
الّتِي دَرَسَها بلاغيّاً أو أدبيّاً، وينشِىءَ كلامَهُ على قَالَبِها، فإذا فَعل ذلِكَ أَفْسَدَ
كلامه، وشوّه روح القاعدة البلاغيّة أو الأدبيّة، وإن التزم بصورتها.
إنّ تربية الذوق والملكة البيانيّة، مع تلقائيّة الأداء التعبيريّ لدى إنشاء الكلام
كتابةً أو ارتجالاً، عند منْ يَمْلك الاستعداد لأن يكون أديباً بليغاً، هي الكفيلة
بتفجير الإِبداع المطلوب في الأدب، بشرط عدم الخروج عن ضوابط قواعد اللّغة وأصول البيان.
ومن جيّد ما قرأت في التعريف بخير الكلام، قول "خالد بن صَفْوان" وهو من
فصحاء العرب المشهورين، كان يجالس عُمَر بن عبدالعزيز، وهشام بن
عبدالملك، توفي نحو (133 هجرية):
"خَيْرُ الكلام مَا طَرُفَتْ مَعَانيه"، وشَرُفَتْ مَبَانِيه، والْتَذَّه آذان سَامِعِيه". عن لسان العرب في مادة "طرف".
***
عبد الرحمن الميداني /93 -مكة المكرمة