"لزوم مالا يلزم" : ( هو فنٌّ في الشعر وفي السجع يلتزم فيه الشاعر أو السَّاجع قبل الحرف الأخير من أبيات قصيدته أو سجعاته ما لا يلزمه كأنْ يكون الحرفانِ الأخيرانِ متماثلينِ في كلّ القوافي أو الثلاثة الأخيرة ، أو تكون الكلماتُ معَ ذلك متماثلة الوزن إلى غير ذلك من التزام ما ليس بلازم في نظام التقفيات.قال عبد القاهر الجرجاني : لا يَحْسنُ هذا النوع إلاَّ إذا كانت الألفاظ تابعةً للمعاني ، فإنَّ المعاني إذا أُرْسِلَتْ عَلى سجيّتِها، وتُرِكَتْ ومَا تُرِيدُ طَلَبَتْ لأنْفُسِها الألفاظ ، ولم تكْتَسِ إلاَّ مَا يَلِيقُ بها، فإن كان خلاف ذلك كان كما قال أبُو الطيّب :إِذَا لَمْ تُشَاهِدْ غَيْرَ حُسْنِ شِيَاتِهَا * وَأَعْضَائِهَا فَالْحُسْنُ عَنْكَ مُغَيَّبُوقد يقع في كلام بعض المتأخّرين ما حَمَلَ صاحبَه عَلَيْه فَرْطُ شغْفةٍ بأمور ترجح إلى ماله اسمٌ في البديع ِ على أنَّه نَسِيَ أَنَّهُ يتكلَّمُ لِيُفْهِمَ ، ويَقُولُ ليُبين َ، ويُخَيَّلُ إلَيْه أنّه إذا جَمَعَ عِدَّةً من أقْسام البديع في بيتٍ ، فلا ضَيْرَ أن يَقَعَ ما عَنَاهُ فِي عَمْياءِ ، وأن يجعلَ السامع يتخبّطُ خبط عَشْواء" هـ. قلتُ : تأمل كلام الجرجاني ومن الأمثلة على ذلك :قول عبدِ اللهِ بنِ الزَّبِير الأَسديِّ في مدح عَمْرو بنِ عثمانَ بنِ عفانَ - رضي الله عنهما - :سَأَشْكُرُ عَمْراً مَا تَراخَتْ مَنِيَّتِي * أَيادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وَإِنْ هِيَ جَلَّتِفَتىً غَيْرُ مَحْجُوبِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقهِ * ولا مُظْهرُ الشَّكْوى إذَا النَّعْلُ زلَّتِرَأَى خَلَّتِي مِنْ حَيْثُ يَخْفَى مَكَانُهَا * فَكَانَتْ قَذَى عَيْنَيْهِ حَتَّى تَجَلَّتِلَمْ تُمْنَنْ : أي : لم تنقطع .رَأَى خَلَّتِي : أي: رأى خَصاصتي وفقري.قَذَى عَيْنَيْه : القذى : جمعٌ مفردُه " الْقَذَاة " ، وهي ما يتكوَّنُ في العين من رمصٍ وغَمَصٍ وغيرهما.في هذه الأبيات التزم الشاعر ما لا يلزمه ؛ فجعل قبل حرف الروي وهو التاء، حرفاً آخر يكررُه مع كلّ القوافي ، وهو اللاّم المشدّدة ) البلاغة أسسها وفنونها .

*******************