كَأَنَّ خُضْرَةَ الأَشْجَارِ تَحْتَضِرْ

كَأَنَّ سَاعَةَ المَسَاءِ تَرْتَدِي انْطِفَاءَةَ التُرَابْ

كَأَنَّ لَوْنَهَا الكَئِيبِ

حِينَ عَلَّقَ الخَرِيفُ فَوْقَهُ الثِيَابْ

يُوَدِّعُ المَطَرْ

ألشَّارِعُ الغَرِيبُ كَانَ وَاقِفاً

كَمَتْحَفٍ مُحَنَّطِ الجَبِينْ

وَ كَانَتِ الأَجْرَاسُ تَعْزِفُ الوَدَاعْ

وَ الرِّيحُ إِذْ تَجِيشُ فِي أَعْمَاقِهِ

فَيُولَدُ الشِّرَاعْ

وَ بَاقَةُ السِّنِينِ إِذْ تَطُلُّ مِنْ رَمَادِهَا

تُعَانِقُ النَّهَارْ

يَا حَائِطَ الغُرْبَةِ هَلْ تَنْهَارْ

يَا أَيُّهَا الجِدَارْ

أَوَّاهُ يَا مَدِينَةَ المَسَافَةِ المُطَوّقَهْ

يَا غُرْبَةَ الرَّحِيلِ للدَّمِ القَدِيمِ

لِلْمَآذِنِ التِي تُعَانِقُ السَّمَاءْ..

يَا أَيُّهَا الحُلْمُ الذِي أَكَادُ أَنْ أُصَدِّقَهْ

أَكَادُ أَنْ أَرَاهْ..

يَأْتِِي إِلَيَّ سَافِراً

أُبْصِرُ فِيهِ مَا لاَ تُبْصِرُ العُيُونْ

يُخَبِّئُ النَّشِيدَ للِّقَاءِ

وَ المَلاءَةَ البَيْضاءَ لِلْجُفُونْ

وَ بَعْضَ حِنْطَةٍ

وَ مَاءْ

للسَّائِلِ الذِي يَطْرُقُ بَابَنَا

فِي آخِرِ النَّهَارْ

يَكْبُرُ فِي أَحْضَانِهِ الصِّغَارْ

نَجْرِي وَرَاءَ خَطْوِهِ الضَّرِيرِ

كَيْ نُسَابِقَهْ

لَكِنَّهُ يَدْخُل فِي الظَّلاَمْ

كُنّا عَلى أَحْلاَمِهِ نَنَامْ

نَدُسُّ فِي خَنَادِقِ الحَنِينِ حُلْمَنَا اليَتِيمْ

وَ زَهْرَنَا الذَّابِلَ

و الحُرُوفْ

و الظِلَّ وَ السُيُوفْ

و قِصَّةَ الذِينَ لَمْ يَرَوْا عَرَائِسَ البِّحَارْ

تَحِنُّ للرِّيَاحِ

وَ القَمَرْ

يَذُوبُ فِي المَسَاءِ

حِينَمَا يُغَادِرُ الدِيَارْ

نَكَادُ لاَ نَرَاهُ فِي الحُقُولِ وَاقِفًا

نَكَادُ لاَ نُصدِّقَهْ

وَ اليَوْمَ يَا مَدِينَةَ المَشَانِقِ المُعَلَّقَهْ

يَا بَابِل الزَّمَانِ

هَلْ نَتُوبُ عَمَّا اقْتَرَفَتْ يَدَاكْ ؟

نُولَدُ مِنْ جِرَاحِكِ العَمْيَاءِ كُلَّ يَومْ

نَنْعَاكِ كُلَّ يَومْ

نُسَرِّجُ الهُمُومَ للرَّحِيلِ

كَيْ نَنْسَاكْ

وَعِندَ لَحْظَةِ الوَدَاعِ

فِي دِمَائِنَا نَرَاكْ ...