من كتاب رسالة الملائكة للتنوخي المعري

القول في إياك



أما موضع الكاف فهو عارف بما قال للناس فيه والذي اعتقده مذهب الخليل وان الكاف في موضع جر لآنا وجدنا هذه اللفظة لا تنفرد بنفسها في حال وانما هي مضافة إلى الظاهر أو المضمور وليست كافها مناسبة لكاف ذاك والنجاك ورويدك وأرأيتك لان هذه حروف تنفرد فيقال ذا ورويد والنجا وأرأيت ويقال إن في مصحف ابن مسعد كافا زائدة في الخط في كل أرأيت قي القرآن مثل قوله عز وجل أرأيت الذي يكذب بالدين وقوله أرأيت إن كذب وتولى وهو يروي قول الهذلي



رويد علياء جد ما ثدي أمهم ... الينا ولكن ودهم متماين





وقول الراجز:



إذا أخذت النهب فالجا النجا ... أخشى عليك طالبا سفنجا



فانفراد هذه الأشياء دل على إن مجيىء الكاف بعدها إذا كانت غير واقعة موقع المعربات إنما هو للمخاطبة وأما وزن إيا فان المتقدمين الذين وضعوا أحكام التصريف وزنوا الأفعال والأسماء بالفاء والعين واللام فجعلوهن أصولا في الأوزان ولم يحتاجوا في الثلاثي إلى غيرهن فلما جازوا الثلثة رأوا إن يكرروا أ إلام وكانوا في تكريرها مضطرين وذلك اصطلاح وقع بين أهل القياس لأنهم إذا قالوا وزن جمل فعل ووزن جذع فعل لم يحتاجوا إلى غير الحروف الثلاثة فإذا وزنوا جعفرا ونحوه ضاقت الثلاثة إن تسعه فلزمهم إن يجيئوا بحرف رابع فكرهوا إن يجعلوه فاء من الفعل أو عينا فيجيئوا ببناء مستنكر فأضافوا إلى اللام مثلها لأنه قد ورد مثل ذلك في الملحقة من الأسماء الأفعال كقولهم قردد وشملل في مشيته.



والذي عليه المتقدمون إلا يزنوا الحروف التي جاءت لمعنى ولا الأسماء المضمرة لأنها لا تشتق فيحكم عليها بالحذف والسلامة من الزوائد أو كونها من المزيدات ولو قال قائل ما وزن إن وهو الأمر من آن يؤون أي رفق في السير لقيل وزنه فل ولأصله أفعل لأنه من باب قتل يقتل ولكن الهمزة لما تحركت في يؤون بحركة الواو استغنوا عن ذلك دخول ألف الوصل إذ كانت تدخل لسكون ما بعدها وحذفت الواو لأنها ساكنة لقيتها لام الفعل بعد إن سكنها حكم الأمر ولو نطق بذلك على الأصل لقيل أوون بواوين الأولى منهما كانت همزة فجعلت واواً كراهة إن تلتقي همزتان كما فعل بالهمزة الثائية في قولك اوتمن لأن الواو والياء إذا كانتا بدلا من الهمزة خرجتا من حكم القلب ألا ترى انك إذا أمرت من أوى يأوي قلت إيو فلم تقلب وكذلك قالوا روية فجعلوا الهمزة واوا ومن قال رية في رؤية الزمه القياس إن يقول أو فيدغم وهذا النوع لم ينطق بمثله ولم يستعمل شيء منه على التمام.



ولو قال قائل ما وزن أنا من قولك أنا خير منك لم يجب إن يمثل له ذلك بالفعل إذ كانت هذه كلمة موضوعة بغير اشتقاق ولا يجوز إن يوزن إلا إن يكره على ذلك مجبر وكذلك أنت وهو وهي وما جرى مجراهن لما لم ينطق منهن بفعل وجب ألا يجرين مجرى زيد وعمر قال وضرب.



والناس في الاشتقاق فرقتان فطائفة تقول إن الأسماء والأفعال كلها مشتقة وطائفة تذهب إلى إن بعفض الأسماء مشتق وبعضها ليس بمشتق فأما الأفعال فيلزم أصحاب القياس اشتقاقها كلها من اسماء الفاعلين ومن المصادر واما الأسماء فبعضها مشقق من بعض ومن زعم ان الأسماء قبل الأفعال لزمه إلا يجعل اسما مشتقاً من فعل على إن أهل هذا الشأن يسامحون بالعبارة في ذلك.




واختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب ومن قال مثل هذا في أنا لزمه إن يقول إن أنت وزنه فعت لأن التاء إنما دخلت للمخاطبة وقد يجوز إذا أخرجنا أنا من الباب إن يقال وزنها فعى لأن بعض العرب قد قال إن بسكون النون في معنى أنا وهذا ما لا يصح حتى يخرج الحرف من الباب كما إن قائلا إذا قال لك ما وزن قد في قولك قد قام فلان لم يصح إن شت فها له حتى تخرجها من الباب فيضطرك إلى زيادة فيها تصغير أو جمع فأما اسماه الأضمار فجنسان متصلة ومنفصلة فالتاء في ضربت ليس لمدع إن يدعي أنها فاء من الفعل ولا عين ولا لام ولا أنها أخذت من لفظ آخر فجعلت في هذا الموضع، وكذلك أنا وأنت ما داما في باب الاضمار فلا يجوز إن يحكم عليهما بوزن كما لا يحكم إن تاء المتكلم هي التاء التي تلحق المضارع من ذوات الأربعة لأنها مضمومة ولا إن تاء المخاطب هي التاء التي تلحق المضارع المفتوح الأول لأنها مفتوحة وكان واجبا في حكم القياس إن يكون المنفصل من المضمرات بمنزلة المتصل لأنهم توصلوا إلى انفصاله بأن جعلوا عدته اكثر من عدة المتصل وليس مواففقه قولهم أنا لفظ أني بأني وما كان نحوه بدليل على انه مشتق وكذلك قولهم أنت مشابه قولهم أنت من الأنيت وهو نحوه الطحير والضمير المنصوب جار مجرى المرفوع، فالكاف في ضربتك لا يجوز أن يحكم عليها بوزن ولا بأنها مأخوذة من شيء وإياك جاريية مجراها إلا أن إياك مركبة من شيئين والكاف في ضربتك حرف واحد يسكن في الوقف ويحرك في الوصل فإذا سكن فهو شيء واحد وإذا تحرك فهو شيئان حرف واحد وحركة واحد الشئين الذين ركبت منهما اياك هو الكاف وحكمها في بنيتها لا في موضعها حكم الكاف في ضربتك والشيء الآخر إيا وعددها أربعة احرف لان فيها تشديداً يحكم على الحرف بانه اثنان وقد خالفت المضمرات في الطول وذلك إنها لم تبلغ هذه العدة تقول هو فتجيىء بها على حرفين واللغة الفصحى تحريك الواو ومن العرب من، يسكن الواو كما قال النظار الأسدي:



كأنما هو حبشي ماثل ... عار عليه من تلاد هدمان





ولما طال الشيء قرب من الاشتقاق اعني من هذه الحروف التي وضعت للاضمار ولا أمنع إن يشذ شيىء من ذلك فأما اياك فخلافهم قد وضح ومن زعم إن الكاف لا موضع لها كانت على قياس رأيه ابعد من الاشتقاق والوزن لأنها أشد تحققاً بالمضمرات اذ كان المضمر لم تجر عادته إن يضاف ومن زعم إن اياك مضافة فللسائل إن يسسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض فإذا جرى الكلام في وزن ايا قال القائل يجوز أن يكون على فعلى وألفها للتأنيث أو فعلى وألفها للالحاق أو إفعل في وزن أصبع ثم يكون القياس مسلطاً بعد ذلك على اختيار أحد هذه الوجوه تسويته بينها في القوة.



فمن قال إن ايا فعلى وألفها للتأنيث فانها تحتمل نوعين من الاشتقاق إحداهما إن تكون من اوى إلى المنزل وتكون من قوولهم أويت له أي رققت فإذا كان من اويت إلى المنزل جاز إن يعنى بها النفس التي تأوي إلى الجسد وجاز إن بها الجثة التي تأوي إلى الجسد وجاز إن يعني بها الجثة التي تأوي نفس الانسان اليها وتكون من الباب الذي يسمى فيه الشيء بتسمية ما صاحبه أو جاوره كما يقال للاناء كاس وللخمر كاس وظعينة للهوج وظعينة للمرأة وكما سميت المرأة بيتاً لأنها في البيت تكون قال الشاعر:



هنيئاُ لأرباب البيوت بيونهم ... وللعرب المسكين ما يتلمس

فأصل إيا على هذا القول إويا فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كما قلبت في قيل وعيد واد غمت في الياء التي بعدها ولو بنيت من طويت اسماً على مثال فعلى لقلت طيا وكذلك من غويتُ ورويت غياً ورياً ولا يمتنع إن تكون إيا في الأصل فعل فيكون أصلها أويا إلا انهم لما قلبوا الواو إلى الياء لسكونها اختاروا الكسرة وهذا على قياس قولهم قرونٌ لي في جميع قرن ألوى فيضمون اللام على الأصل ويكسرونها من أجل الياء كما إنك لو بنيت اسماً على فُعل من طويتُ لجاز إن تقول طُي الأصل وطي فتكسر.