ما من مرة قرأت او سمعت فيها قصيدة (( أخي جعفر )) للجواهري إلا واجهشت بالبكاء وادمى لها الفؤاد الما واشتياقا حيث انها تعتبر من اصدق ما قيل في الشعر عاطفة فما حسبك بشاعر هو العراق وشهيد ذهب في سبيله فكيف سيتحدث وماذا سيقول وباي لغة سيحلق في سماء الخلود , فهي لا تتسع الا للشهداء السعداء الذين لم يبخلوا باغلى ما يملكون في سبيل الحرية , حرية كانت مشعلا للاحرار ...
هنا ... نقف اجلالا لدم الشهداء الابرار لنستذكر ذلك اليوم وتلك المسيرة الهادئة الحزينة المؤثرة يوم وداع جثمان الشهيد جعفر الجواهري رحمه الله و الذي جرح في معركة الجسر التي حدثت في 27 من شهر كانون الثاني عام 1948
إثر رصاصة في الكبد والمحاولات لأنفاذه لم تجدي نفعاً وتوفي بعد مضيء حمسة أيام من اصابته ويذكر نجل الجواهري الاستاذ فلاح الجواهري ان طلاب كلية الطب قد اصروا على ان يستلموا جثمان الشهيد جعفر من المستشفى التعليمي وان يبيت في حمايتهم حتى الصباح خوفا من أي عرقلة من قبل السلطات للتشييع الجماهيري المرتقب .
عمت المظاهرات ارجاء بغداد بعد سماعهم النبأ المؤسف والتي استمرت لعدة أيام .ولما علمت الجماهير ان الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري سيلقي قصيدته في رثاء اخيه زحفت جماهير بغداد الى جامع الحيدر خان من كل حدب وصوب وعندما بدأ الشاعر الجواهري يلقي قصيدته وهي من روائعه حيث كانت الجماهير تحبس انفاسها ودموعها وهي تصغي لبكاء شاعر الامة وهو يرثي اخاه الشهيد ، وقد تم نشر القصيدة في صحيفة (الراي العام ) في ( 15 شباط عام 1948) .
وفي المؤلف الجواهري وعي على ذكرياتي للدكتور فلاح (نجل الجواهري ) وصف دقيق ويحمل من الشجن الكثير لموكب الشهيد عند دوار ساحة الباب المعظم حيث كانت الحشود تسد ثلاثة شوارع متقاطعة منتظرة تقدم النعش والمشيعين القادمين من الشارع الرابع , بدء المسير من شارع الرشيد والحشود تردد
ما نشف ما نشف , دمه يسيل وما نشف
كان بأستقبال النعش صف من أمة الجامع العريق .. رفع النعش وخرج طائراً على الأكف وأرتفع نداءاً
لا إله إلا الله
لا إله إلا الله
والله اكبر ولله الحمد
وصل النعش الى حيث يقيم الجواهري ترك لفترة وأعطيت اشارة بالصمت ومن ثم رُفع النعش من جديد وهو ملفوفاً بعلم العراق
النعش يطفو ويتمايل ويسير فوق الرؤوس في السوق الكبير وسط عشائر من الجنوب والوسط وأهازيج وعمائم وبيارق ونسوة بعباءات سود في مسيرة طويلة وصولاً الى بوابات الصحن العلوي الشريف امام بوابات الضريح الذهبية :
السلام على صاحب السكينة
السلام على المدفون بالمدينة