برق الضاد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

برق الضاددخول

منتدى ادبي شامل يعني بفروع الادب العربي


descriptionالصورة الشعرية في النقد الأدبي  Emptyالصورة الشعرية في النقد الأدبي

more_horiz
الصورة الشعرية في النقد العربي :

اهتم بعض النقاد العرب بتقويم الدراسات التي تتناول الصورة الشعرية ،
فقاموا بتتبع جهود القدامى وما توصلوا إليه من أراء تتعلق بمفهوم الصورة
الشعرية ووظائفها وأنماطها ، والإضافات الجديدة التي قدمها نقادنا في العصر
الحديث في مجال دراسة الصورة في الشعر العربي ، فعلى غرار إفادة النقاد من
المنهج التاريخي في كتابة تاريخ الأدب وتطور الصورة في الشعر أفادوا من
المنهج التاريخي – أيضاً – في كتابة تاريخ الصورة الشعرية في النقد للنقد
العربي قديمه وحديثه ، ولم يقتصروا على مجرد الرصد التاريخي ، بل قاموا
إلى جانب هذا بالتقويم والتحليل والعرض والمناقشة .ومعظم الدراسات التي
تتناول الصورة في الشعر تبدأ باستعراض آراء النقاد القدامى والمحدثين، قبل
شروعها في الدراسات التطبيقية .



ويمكن تصنيف الدراسات التي تتناول الصورة في النقد إلى :





    دراسة الصورة الشعرية في النقد القديم .

    الصورة الشعرية بين النقد القديم والنقد الحديث .

    الصورة الشعرية في النقد الحديث .

    الصورة الشعرية عند ناقد معين أو حركة نقدية .



أما المواقف النقدية من تلك الجهود فتتسم إما بالتعصب للقديم و التقليل
من شأن الجهود والآراء الحديثة ، أو التقليل من شأن ما توصل إليه القدامى
والإعجاب بالجهود الحديثة ، أو اعتبار الحديث امتداداً مفيداً للجهود
القديمة ، أو مناقشة الجهود بشيء من التعمق والحيادية المبينة على أسس
أكاديمية ، من حيث تحديد الزمن والاستقصاء . فمصطفى ناصف ينظر إلى جهود
النقاد القدامى وآرائهم حول الصورة بشيء من الازدراء ، فهو يرى – مثلاً –
أن الاستعارة " موضوع عالجه النقاد القدامى علاجاً مسفاً أسيء فهم موضوعها
ووظيفتها وعلاقتها بالشاعرية " ([1]).وأن النقد العربي القديم لم يحفل بالقوى النفسية أي أنه لم يتناول الخيال([2])،
ويبدو من آرائه حول جهود القدامى أنه لم يكن في ذلك الوقت قد اطلع بشكل
موسع على تلك الجهود ، فمعالجة القدامى للاستعارة لم تكن بالشكل الذي يصوره
، فقد أطرى كثير من النقاد على جهود عبد القاهر الجرجاني في دراسة
الاستعارة وربطها بالسياق اللغوي وعدوا ذلك سبقاً للآراء الحديثة ، كما أن
البلاغيين الآخرين قد تناولوا الاستعارة نوعاً بلاغياً مما دفعهم إلى تصنيف
أنواعها وإعطاء الأمثلة عليها من الشعر ، وإن كان من النقاد والبلاغيين
القدامى من اشترط عدم المبالغة فإن كثيراً منهم كانوا يحبذون البعد وسعة
الخيال في الصور، و قد كان لنقادنا وفلاسفتنا القدامى جهوداً لا يمكن
تجاهلها . ثم يهاجم اهتمام النقاد القدامى بالتشبيه ويعدّ هذا الاهتمام
دليلاً على المنهج المحافظ " الذي ينظر إلى الشعر القديم في روعة وإجلال
وقد تلاحقت التشبيهات فيه تلاحقاً كأنما يريد الشاعر ألاّ يتوقف عند غاية"([3]).



كما يشير إلى أن النقد العربي القديم لم يهتم بالصورة الشعرية ؛ لأن
النقاد اهتموا بالمعنى وعد‍ّوا الجوانب الأخرى زينة له ، يقول : " وإذا
نظرنا في طائفة الأذواق التي يتداولها مؤرخو النقد العربي في العصر الجاهلي
والإسلامي حتى القرن الثالث ، الذي دبت فيه خصومة بين القدماء والمحدثين ،
فلن نجد كثيراً من النقاد يستوقفهم التصوير أو يستهدفونه في وضوح .. ومع
أننا نجد في العصر الإسلامي شاعراً مصوراً كبيراً هو ذو الرّمة ، يحدث في
تصوير الأشياء حدثاً يميزه فإنه لم يذكر عندهم بين الفحول ، ولم يستأثر
باهتمام النقاد مثلما استأثر به جرير والفرزدق والأخطل ذلك أن النقد العربي
نظر إلى المادة أو المعنى في الشعر منذ القدم بوصفه فكرة محددة أو قيمة
خلقية وعبر عن المعنى العاطفي بأنه من قبيل اللفظ الرائع والتأليف الجيد "([4])
ولا نتفق مع الناقد في بناء هذا الحكم على عدم الاهتمام بشعر ذي الرمة ؛
لأن هذا لا يعد دليلاً على تجاهلهم للتصوير ، فاهتمامهم بالصورة تشهد به
كتبهم البلاغية والنقدية ، والناقد يذكر مدى فتنة القدامى بالتشبيه فكيف
يتجاهلون التصوير ، وهم يعدون التشبيه أساس تشكيل الصور ؟ صحيح أن دراسة
الصورة لم تصل إلى ما وصلت إليه من تطور في نقدنا الحديث ، ولكن هذا لا
يعني أن نتجاهل تلك الجهود أو نقيسها على ما وصل إليه النقد الحديث لاختلاف
الزمان والمكان والظروف.



ويبدوا أن مصطفى ناصف قد أدرك هذا مؤخراً بعد أن تعمق في دراسة التراث
وعاد لينظر إلى الاستعارة في نقدنا القديم بمنظار آخر ، غير الذي طرحه في
كتابه القديم ، فهو يقول " لقد ظفرت مباحث الاستعارة في النقد العربي
القديم بتفصيلات كثيرة يعزف عنها الدارسون الآن ، لما تتميز به من تعقيد
ومساءلات وجدل وعنف ، لقد اعتبرت الاستعارة أم المشكلات التي ينبغي
مواجهتها بطريقة صابرة . الاستعارة في النقد العربي ظفرت بجدل واختلاف واسع
… ولكننا استبعدنا فكرة الإشكال والجدل وقصدنا إلى تعرية الأفكار القديمة
من جو النقاش القديم . ومن ثم بدت الاستعارة في أعيننا غريبة الملامح "([5])ويقول : " لقد غلب على المتلقي الحديث للتراث النقدي هذا النحو من الفهم . ومعنى ذلك أن لباب العمل النقدي القديم تعرض للإهمال " ([6])ويقول
: " إن مشكلة الاستعارة في النقد العربي هي مشكلة الريب العميقة في تكوين
العقل العربي . مشكلة الاستعارة لم تكن سطحية ولا ظاهرية ولا أسلوبية كانت
على العكس عميقة أو باطنة جوهرية ولقد أسيء تقدير الجدل حول العلاقة بين
الاستعارة والتعبير الحرفي ، أسيء تقدير الثغرة التي تصورها القدماء بين
هذين الأسلوبين " ([7]).



وهكذا نرى أن مصطفى ناصف قد نقض آراءه التي قللت من شأن الصورة في جهود
القدامى– ولاسيما الاستعارة – في كتابه ( الصورة الأدبية ) وقد يكون هذا
ناتجاً عن اطلاعه الجديد على التراث ، وقد تكون أحكامه السابقة مبنية على
العاطفة والتحمس للجديد ، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه النقاد الذين
يتعاملون مع المنهج التاريخي بشكل مبسط دون الغوص في جزئيات الظاهرة ، أو
يكونون مدفوعين بالإعجاب أو الازدراء ، فقد وقع المتعصبون للتراث في الخطأ
نفسه ، حينما حاولوا إثبات أن كل شيء موجود في تراثنا وأننا يجب أن نستبعد
الجديد ونكتفي بالقديم ، فنجد – مثلاً – الدكتور كامل حسن البصير عند
استعراضه لجهود النقاد القدامى في الصورة – يهتم بتفنيد الآراء التي تذهب
إلى تأثر البلاغة القديمة أو النقد العربي القديم بمؤثرات خارجية ([8])، ولم يكتف بتأكيد سبق نقادنا القدامى للدراسات النقدية الأوروبية بسبعة قرون في عدة قضايا متصلة بالصورة([9])،
بل قرر أن الصورة الفنية في التراث العربي مبحث متكامل " صدر عن الفكر
العربي في تمثُّل الشعر نشاطاً اجتماعياً وصناعة ماهرة ، وحلل عناصر الشعر
ووازن بينه وبين التصوير ، ثم حلل بناء الصورة بالإشارة إلى مادتها وما يقع
في هذه المادة من نقش وتزيين ، وأشار إلى مضارها في الذهن ، وجسد تأثيرها
في الملتقى"([10])ومع اعترافنا بقيمة الجهود التي
قدمها نقادنا القدامى فإننا يجب إلا نذهب بعيداً في إطرائها وجعلها مكتفية
بذاتها عن كل جديد لأن طبيعة الأشياء تدعو إلى التطوير ، والعلم يحتاج إلى
إضافات وإفادة مما لدى الآخرين ، ولو وقفنا عند ما قدمه القدامى ، واكتفينا
به ، لما أضفنا إلى تراثنا شيئاً ، فالمهم أن نفيد من الآخر ما يعطينا
دفعة إلى الأمام ويغطي جوانب النقص ، بما يتلاءم مع أدبنا ونقدنا .



وتعد نظرة الولي محمد إلى جهود قدامى العرب في الصورة امتداداً لنظرة
الإطراء والإعجاب والتحمس التي وجدناها عند البصير ، إلا أن الولي كان أكثر
اطلاعاً على البلاغة الغربية الحديثة ، مما جعله قادراً على إدراك السبق
العربي في مجال دراسة الصورة الشعرية ، وهو كالبصير يناقش الآراء التي
تتناول الأثر الأجنبي في البلاغة العربية والنقد القديم ، ويقف إلى جانب
الرافضين لفكرة تأثر نقادنا القدامى بمصادر أجنبية([11]).
ويستعرض عدداً من آراء القدامى ويرى أنهم سبقوا الأوربيين المعاصرين إلى
كثير من الآراء حول الصورة ، ويقارن أراء عبد القاهر بآراء نقاد غربيين في
العصر الحديث ويقول : " لا يسعى هذا الاستحضار لنصوص حديثة في تعريف
الاستعارة ، إلى محاكمة طرف أو آخر ، بقدر ما يسعى إلى التأكيد أن تعريف
الجرجاني للاستعارة لم يتم تجاوزه بعد ، خاصة إذا راعينا في البلاغة
الحديثة اتجاهاً بعينه هو الاتجاه الدلالي " ([12])ويمتد
إعجابه بجهود القدامى إلى السكاكي الذي توصف جهوده في البلاغة العربية
والبيان العربي بالجمود ، وحاول الرد على الذين يقللون من شأن جهوده ، ورأى
أنه توصل إلى آراء قيمة حول الصورة([13]).



أما حازم القرطاجني فقد حدد الصورة الشعرية ومهامها – كما يقول الولي –
عندما تناول التفريق بين المعاني الأول والمعاني الثواني ، ويَعُدُّ حديثه
حول هذه القضية " من أنضج ما يمكن أن تعرّف به الصورة الشعرية ، ولا يظهر
أن المعاصرين استطاعوا أن يضيفوا إليه شيئاً ذا أهمية " ([14]).



ومن النقاد المعاصرين المهتمين بالصورة في النقد الأدبي القديم والحديث ،
من يرى أن جهود النقاد في العصر الحديث تأتي امتداداً للجهود القديمة
وإكمالاً لها وهم بذلك يبتعدون عن مواطن الآراء المتعارضة في النقد القديم
والنقد الحديث ، ومع اعترافهم بشيء من الاختلاف في الآراء أو النقص الذي
يعتري النقد القديم في مباحث الصورة ، فإنهم يدعُون إلى الإفادة من القديم
والحديث . ومن هؤلاء النقاد أحمد بسام ساعي الذي يتناول الصورة بين البلاغة
والنقد، وهو إلى جانب تناوله لقضايا الصورة في النقد القديم وتطورها وما
تحتاج إليه من النقد الحديث يتناول أيضاً تطور الصورة في الأدب العربي ، من
خلال الأمثلة ، مما جعل كتابه يقتصر على بعض القضايا ولا يتعمق في تفصيلات
النقد القديم أو النقد الحديث حول الصورة ولكن معالجته للصورة من خلال
النصوص الشعرية والقرآنية يجعل القارئ يستنتج أهمية أن يجدد النقاد
المعاصرون العرب مناهجهم ، وألا يكتفوا بما توصل إليه القدامى لمواجهة
التطور الذي طرأ على الصورة في الشعر العربي ، فالتيارات الثقافية والأدبية
الحديثة المتنوعة كالرومانسية والرمزية والسريالية والواقعية القادمة من
الغرب ، جعلت الخيال العربي ينتقل إلى مواطن جديدة تطأها قدمها لأول مرة "
فهي أرض تحدها الرمزية وأطراف الشعور وما فوق الحقيقة وما بعد اللاشعور ،
وغدونا نجد من الصور والتشبيهات الجديدة ما لا يمكن أن نرى باباً له فيما
مضى من صفحات كتاب الشعر العربي "([15]) . وهذا
التطور في الشعر يدفعنا كما يقول " إلى الالتفات بوعي أكبر إلى تراثنا
العربي القديم والتنقيب عن جذور بعيدة للصورة الأدبية الحديثة ، التي يبدو
من الواضح أن القواعد البلاغية القديمة لم تعد قادرة على استيعابها ، وأن
المشبه والمشبه به والعلاقات المجازية المعروفة في علم البلاغة لم تعد
صالحة لأن تكون قواماً لها"([16]).



وهكذا نجد أن حرص الناقد على الجهود التي قام بها نقادنا وبلاغيونا لم
يدفعه إلى رفض المناهج والآراء الحديثة حول الصورة الشعرية وتقديس القديم ـ
كما فعل بعض النقادـ وإنما دفعه إلى الدعوة إلى النهوض بالجهود القديمة عن
طريق تشخيص جوانب القصور والنقص فيها ، والإفادة من الجهود الحديثة في
علاجها والإضافة إليها وتطويرها ، فهو لا يدعو إلى ترك الطريقة البلاغية
القديمة في تناول الصورة ، وإنما إلى وضع تلك الأسس البلاغية في أطرها
النقدية الحديثة " وبهذا نجمع بين الدراسة الأدبية الحديثة ، والدراسة
العلمية التقليدية ، فنحفظ على الصورة البلاغية روحها وفنيتها وإيحاءها ،
ونحفظ للقدماء في الوقت نفسه حقهم من الاحترام والإجلال لما قدموه لنا من
أسس وقواعد وبهذا نستطيع أن نميّز من بعد بين الصورة البلاغية والصورة
الفنية"([17])



وهذا يعني أن الناقد أدرك أهمية مواكبة الجديد من المناهج النقدية
والإفادة منها في دراسة الصورة في الشعر العربي ، ولكنه يحرص على عدم
استبعاد الطرق البلاغية القديمة وقد سهل على الناقد الوصول إلى هذه الآراء
التصالحية – كما قلنا من قبل – استبعاده لمواطن التعارض بين النقدين ، وعدم
تعمقه في دراسة الصورة بجزئياتها المتشعبة في النقد القديم أو النقد
الحديث ، والتي قد تظهر كثيراً من القضايا الخلافية التي تقتضي استبعاد أحد
الطرفين . .



ويبدو أن هذه النظرة التوفيقية تنسجم مع توجهات البلاغيين العرب المعتدلين
في العصر الحديث ، والذين اهتموا بتخصيص دراسات للصورة الشعرية ،
واستجابوا للنداءات المبكرة لتجديد المناهج البلاغية والتي ظهرت عند أمين
الخولي .



ومن هؤلاء البلاغيين الحريصين على تجديد المناهج البلاغية الدكتور أحمد
مطلوب ، الذي دفعه حرصه على النظرة التوفيقية إلى جهود القدامى والمحدثين
حول الصورة إلى أن يكتفي برصد تطور عدد من المصطلحات المرتبطة بالصورة في
النقد القديم دون إبداء آراء حول جوانب النقص أو جوانب السبق والتفوق،
وعندما تناول الصورة الشعرية في مقالة مؤخراً اكتفى أيضاً بالاستعراض
التاريخي لآراء القدامى في عدد من قضايا الصورة وصولاً إلى الآراء الحديثة ،
فهو يستعرض مفهوم " الصورة " في اللغة ثم عند النقاد القدامى وصولاً إلى
العصر الحديث مع استعراض بعض أنماطها الحديثة المقتبسة من النقد الغربي ([18])
ثم يتناول تكوين الصورة المعتمدة ـ كما يقول ـ على المحاكاة والخيال ،
فيتناول المحاكاة ومفهومها في التصوير منذ أفلاطون وحتى العصر الحديث([19])، ويتناول تعريف الخيال واشتقاق مصطلحه وأنماطه في النقد العربي والنقد الغربي منذ القديم وحتى العصر الحديث([20])،
ولكنه من خلال استعراضه لهذه الآراء القديمة والحديثة عن الصورة الشعرية
لم يهتم بالتعليق على جوانب القصور أو التفوق في النقد القديم أو الحديث
ولم يظهر تحيزه لآراء القدامى ، أو المحدثين ، ومع هذا فالاستعراض التاريخي
لتلك الجهود عل هذا النحو ، يشير إلى إيمانه بمبدأ التطور ، وأن الحديث
يعد تطوراً من القديم وإكمالاً لجوانب نقصه ، وأن الآراء حول قضايا الصورة
الشعرية متعددة سواءً في النقد الحديث أم النقد القديم .



وهناك نوع من الدراسات التي تتناول تطور الصورة في النقد العربي القديم أو
النقد العربي الحديث ، تتسم بالتحديد والعمق ، أي تحديد فترة الدراسة
والتعمق في استقصاء قضايا الصورة المختلفة وجوانبها الإيجابية والسلبية في
تلك الجهود ، ويعدّ الدكتور جابر عصفور رائداً في هذا النوع من الدراسات ،
فقد كان أول ناقد يتعمق في دراسة الصورة في النقد العربي القديم والبلاغة
العربية القديمة ، فقدم دراسة تستقصي الآراء والقضايا المختلفة حول الصورة
في نقدنا القديم وقد أفاد من اطلاعه على النقد الإنجليزي([21])في
معالجة وتوضيح بعض القضايا والآراء القديمة حول الصورة ، هذا الاطلاع
والتحمس للآراء الحديثة لم يدفعه إلى تجاهل الجوانب الإيجابية في جهود
البلاغيين والنقاد القدامى ، ولم يكن مدفوعاً بعاطفته القومية إلى إخفاء
جوانب النقص والتقصير. من خلال الاستقصاء وصل إلى أن مصطلح " الصورة الفنية
" لم يرد عند نقادنا القدامى لكن الاهتمام بالمشاكل والقضايا التي يثيرها
موجودة في التراث مع اختلاف طريقة العرض والتناول([22])،
ويتناول الخيال عند الفلاسفة والنقاد المسلمين وما أضافوه إلى آراء
أفلاطون وارسطو ، وإفادتهم من هذه الآراء الفلسفية في مجال النقد الأدبي ([23]). وهو بهذا يرد على من ذهب من النقاد المعاصرين إلى أن النقاد القدامى لم يهتموا بالخيال ([24]). وعند تناوله للأنواع البلاغية للصورة عند القدامى([25])،
توصّل إلى نتائج مهمة ، كانت غير واضحة في أذهان كثير من النقاد ، واستطاع
أن يعلل اهتمام النقاد القدامي بالتشبيه تعليلاً مقبولاً يستند إلى جوانب
نقدية وفنية ، ولم يهاجم هذا الاهتمام كما فعل نقاد آخرون " فالتشبيه هو
أكثر الأنواع البلاغية أهمية بالنسبة للناقد والبلاغي القديم ، والحديث عنه
بمثابة مقدمة ضرورية لا يمكن تأمل الاستعارة والمجاز دونها ، أما
الاستعارة فإنها تتيح لنا أن نشير إلى المجاز ، دون أن نفصّل فيه فضلاً عن
أنها – وهذا المهم – توضح النتائج التي ترتبت على فهم القدماء لفاعلية
الخيال الشعري وحدوده وطبيعته "([26]) وهو يتفق مع صاحبي نظرية الأدب في أن لكل عصر أنماطه البلاغية([27])،
ويرى أن هذه المقولة وإن كانت متسمة بالتعميم " يمكن أن تساعد في تبرير
بناء التشبيه في التراث النقدي والبلاغي عند العرب ، وتلفتنا إلى تشابه
الظواهر النقدية وتماثلها عندما ترتد إلى علة واحدة أو أسس متماثلة "([28]) ، ولكنه يربط هذا الاهتمام بالميل إلى العقلانية والنفور من التداخل والاختلاط والخروج عن الأطر الثابتة([29])،
وهو بهذا يعود إلى ما طرحه نقاد سابقون ويتجاهل التعليل الفني الذي ذكرناه
سابقاً ، ولكن هذا الرأي يأتي في إطار تعميم نتائج الظروف الاجتماعية
الأوربية التي دعت إلى استعمال العقل والتدرج المنطقي في الأدب الكلاسيكي ،
وقد ذكرنا فيما سبق أن قياس نقدنا على النقد الأوربي القديم غير صحيح لأن
نقادا كثيرين خرجوا من دائرة الاهتمام بالتناسب والمنطق ، وهذا ما يؤكده
عصفور حينما تناول جهود عبد القاهر وجعله استثناءً لهذه القاعدة . فهو يرى
أن العرب حرصوا في تناولهم للاستعارة على العلاقات القريبة من العقل ، أما
ما توصل إليه عبد القاهر الجرجاني من حيث ربطها بالمبالغة وتفضيلها على
التشبيه وتمييزه بين المفيد وغير المفيد من الاستعارة ([30])، فقد عده بمثابة تأصيل لمفهوم الاستعارة " وإنجازات هامة على المستوى التاريخي وبمثابة إضافات لافتة على مستوى التأصيل النقدي "([31]).



ويعلل ظاهرة الاهتمام بالتصوير الحسي عند النقاد القدامى ، وربطهم الشعر
بالرسم وتطورها عندهم فيصل إلى أن تعامل النقاد والبلاغيين العرب القدامى
مع فكرة التقديم الحسي للتصوير الشعري ، كان في حدود ضيقة فلم يوضحوا
الفوارق بين التصوير الشعري وغيره من أنواع التصوير ([32])ويستثنى
من ذلك حازم القرطاجني ، فقد كان " الناقد العربي الوحيد الذي استطاع أن
يدرك الطبيعة الحسية للشعر ، وقدرة صوره على التقديم الحسي ضمن تصور متماسك
لطبيعة الشعر أو أهميته في نفس الوقت " ([33])، ويختتم كتابه بتناول أهمية الصورة ووظائفها في التراث النقدي والبلاغي([34]).



وقد حظيت الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث باهتمام عدد من النقاد
الذين قاموا باستعراض تلك الجهود وتقويمها ، وكانت نظرة بعضهم إلى الجهود
الحديثة مبنية على نظرتهم إلى الجهود القديمة ، ولاسيما أولئك الذين اتسعت
معالجتهم لتشمل الصورة الشعرية في النقد القديم والنقد الحديث ، فاكتفوا
بما يتلاءم مع موقفهم من تلك الآراء والجهود ، فقد تناول الدكتور محمد مهدي
البصير آراء القدامى بشيء من الإطراء والإعجاب الشديد مما دفعه إلى
الادعاء باكتمال مباحث الصورة في النقد القديم وكفايتها، وعندما وصل إلى
تقويم الجهود الحديثة لم يرَ فيها إلا الجوانب السلبية ، وردّ معظمها إلى
التأثر بالآراء الغربية ، فكما رفض فكرة تأثر نقادنا القدامى باليونان أو
بغيرهم ، رفض هنا فكرة الحاجة إلى الإفادة من الدراسات الحديثة ، لأنها في
رأيه مضطربة وقلقة ([35])، فقبل تقويمه الجهود
العربية الحديثة بدأ باستعراض الصورة في المدارس النقدية الأوربية وقارن
تلك الآراء بما ورد في تراثنا العربي ، ويصل من خلال هذه المعالجة إلى
القول :" ومهما يكن فإننا نلاحظ من هذه الرحلة الطويلة مع مدارس النقد
الأوروبي ، بجذورها اليونانية وتطوراتها العصرية : أن الصورة الفنية كانت
في حومة الرفض أمام الكلاسيكية والواقعية والسريالية واللامعقولية ، لأسباب
عقلية ومنطقية ولا عقلية ولا منطقية ، كما كانت على مشرحة رد الفعل بين
أيدي الرومانتيكيين والبرناسيين والرمزيين ، وهي في الحالتين لم تأخذ حظها
من العناية العلمية التي تسبر أغوارها وتكشف عن طبيعتها وتحلل أنماطها
وتلمس أبنيتها وتشوف أهدافها " ([36]) ولكنه
يستثنى طائفة من النقاد الأوربيين تتشابه آراؤهم مع آراء النقاد العرب
القدامى ، فهناك نقاد من هذا البلد أو ذاك في هذه القارة قد انفلتوا من
قبضة الأجواء الفلسفية الجدلية " فاستقبلوا الصورة الفنية في الشعر خاصة ،
وتتبعوها وسعوا إلى حدها وتعريفها وبسط مقومات أساليبها وأهدافها ، حتى لقد
ألقوا في روع طائفة من النقاد العرب المعاصرين، أن النقد الأوربي هو مهد
الصورة الفنية ومنبت ازدهارها وآفاق تطورها فآمن بهم هؤلاء النقاد ،
وتلقفوا ما عندهم منقطعين عن تراث أمتهم العربية بهذا الشأن "([37])



صحيح أن الجهود العربية القديمة لا يمكن تجاهلها أو إهمالها، و صحيح أن
التأثر الذي يقتلع المتأثر من جذوره مرفوض ، ولكن هذا لا يعني أن نتجاهل ما
حققه النقد الغربي من تقدم إيجابي ، كان لاطلاع نقادنا على تلك الآراء
والجهود إيجابيات كثيرة ، وأن لم تخلُ تلك الجهود المتأثرة والمؤثرة من
السلبيات ، وهذا التأثر لم يمنع نقادنا من الاطلاع على التراث العربي سواءً
في تناول الصورة أم في غيرها ، بل على العكس من ذلك ساعدهم على أن ينظروا
إلى التراث نظرة علمية جديدة . وهذه المناهج التي تتناول بها التراث الشعري
والنقدي القديم هي من ثمار هذا الاتصال والتأثر الإيجابي ، ودراسة البصير
التي نتناولها حول الصورة الفنية التي تؤصل للتراث العربي وتحاول تطبيق
فكرة البيان العربي القديم على الشعر ، هذا المجهود الضخم هو نتيجة لما
يسمى في الأدب المقارن " التأثر العكسي " أي أن يقوم الناقد أو الأديب
بإنشاء عمل يعارض أو يعاكس عمل أجنبي ، وقد كان عمل البصير مدفوعاً بحرص
على إثبات تفوق نقدنا العربي القديم وقدرته على مواكبة العصر وهذا شيء جميل
إذا آمنا بأن مبدأ التأثير والتأثر سنة كونية وأننا يجب أن نفيد مما لدى
الآخرين فنعطي تراثنا دفعة إلى الأمام ، نحن نتفق مع البصير في ما يسميه "
قلق مبحث الصورة في دراسات نقدية عربية عامة "([38])بسبب
سوء التطبيق أو الفهم للمناهج والنظريات النقدية الغربية ، ولكن هذا لا
يعني أن نتفق معه في " أن الصورة في البيان العربي لا يمكن أن يدركها
الباحث إلا على وفق منهج عربي أصيل ، رسّخت أسسه البلاغية العربية بشتى
اتجاهاتها ومباحثها ، وتلقفه التطور الذي امتد به الزمان عصراً إثر عصر"([39]) .لا نتفق معه في هذا لأن الدراسات الحديثة للصورة الشعرية لها إيجابيات كثيرة ، لم يتناولها البصير أثناء تقييمه لتلك الجهود([40])،
وإن أخفقت بعضها نتيجة لسوء التطبيق ، فلا يعني هذا أن نكتفي بما لدينا من
تراث وإنما أن نحسن الإفادة من المناهج الحديثة بما يتلاءم مع طبيعة الأدب
العربي .



والشيء المهم في هذا الكتاب، أنّ مؤلفه سعى لإيجاد أو تأصيل منهج عربي لدراسة الصورة الفنية ([41])وهذا إنجاز مهم ، كان ناتجاً عن قلقه من انجرار نقادنا المعاصرين ، وراء المناهج الغربية وإهمالهم للتراث .



أما ( الولي محمد ) الذي خصص كتابه لمعالجة الصورة الشعرية في البلاغة
والنقد قديماً وحديثاً ، وكان متحمساً للجهود البلاغية القديمة فقد كانت
معالجته للصورة في النقد الحديث أكثر رصانة واتساعاً من معالجة البصير بحكم
اطلاعه على النقد الغربي الحديث والإفادة من المناهج الحديثة في تصنيف
الدراسات العربية الحديثة ، ولكنه يلتقي مع البصير في التأكيد أثناء تناول
الجهود الحديثة ، على أن البلاغة ومناهجها هي الحل لتجاوز عيوب المناهج
الأخرى . وقد تناول الصورة في النقد العربي الحديث من زاوية النقد التأثري
ومن زاوية النقد النفسي ومن زاوية الرمزية والأسطورية ومن زاوية الوظيفة
الاجتماعية([42])من خلال جهود خمسة نقاد هم محمد
مندور ، وعز الدين إسماعيل ، وعلي البطل ، ومصطفى ناصف ، وخالدة سعيد وعلى
الرغم مما توحي به العناوين من الإشارة إلي المناهج النقدية ، فإن (الولي)
في تلك الزوايا اهتم بالمفاهيم النظرية للصورة الشعرية عند هؤلاء النقاد ،
وكان من المنتظر أن يعطي حيزاً كبيراً لمعالجة المناهج النقدية المذكورة ،
وكيف تعاملت مع النصوص الشعرية عند تناولها للصورة ، ويبدو أن اتساع رقعة
دراسته التي شملت الجهود القديمة والحديثة في البلاغة والنقد لم تسمح
بالتعمق في تناول هذه المناهج وتوسيع دائرة الدراسة لتشمل عدد أكبر من
الدراسات العربية الحديثة .



وهو في تناوله للصورة الشعرية من هذه الزوايا يهتم بإظهار عيوب هذه
المفاهيم، والتأكيد على تفوق البيان أو البلاغة في التعامل مع الصورة
وتحديد مفاهيمها ، ففي الزاوية التأثرية ، يجعل محمد مندور ممثلاً لهذه
الزاوية ، مع أن المعروف أن مندوراً ناقد اجتماعي ، ومع هذا فهو يرى أنه
انتهى إلى اعتناق فكرة البيان ، على الرغم من تأثريته " هكذا إذن انتهى
مندور إلى اعتناق البيان ، وحاول إغناءه باجتهادات هامة ، وفي مقدمتها ما
سلف من حديث عن الرمز الذي تناوله بالتحليل في علاقته بباقي الأداءات
التعبيرية البيانية ، وإن كنا لا نتفق مع مندور في محاولته نفي صفة التصوير
عن الرمز .. فإننا مع ذلك ننظر بعين التقدير إلى كل هذه النصوص المتعلقة
بالصورة ، معتبرين إياها نصوصاً واعدة تحمل بشارة ميلاد
( أم انبعاث ) البلاغة أي الشكلانية العربية "([43])، فإعجابه هنا بمفاهيم الصورة الشعرية التي تقترب من البلاغة والشكلانية ، يدل على النظرة المتحيزة إلى النقد الأسلوبي أو البلاغي .



وفي تناوله للصورة الشعرية من الزاوية النفسية حاول التقليل من قيمة هذا
المنهج في دراسة الصورة من خلال مناقشته لآراء الدكتور عز الدين إسماعيل ،
وهو يطرح البديل الأسلوبي الذي يتعامل مع الصورة الشعرية على أساس أنها
حاصل لغوي ، لا يرتبط بعواطف المبدع رافضاً الاستعانة بالعلوم الأخرى في
دراسة الأدب ، يقول : " إن هنالك عند النقاد وهم الانفصال عن البلاغة
القديمة ويواكب هذا الوهم وهم آخر هو الاستعارة من نظريات وعلوم لم توضع
أصلاً لكي تدرس الأدب هذا الوضع ترتبت عنه فوضى ، لا أتصور أننا قد
تجاوزناها ،هذا على الرغم أن من نستعير منهم ، قد صفوا حساباتهم مع هذه
العلوم بالعودة المزدوجة إلى النص ، وإلى البلاغة القديمة " ([44])ومن
الملاحظ أنه يختلف عن البصير في أنه يتعصب أو ينحاز إلى البلاغة سواءً
أكانت عربية أم غربية قديمة أم حديثة ، بينما شغل البصير نفسه بالانتصار
للبلاغة العربية . و يرفض تعريف عز الدين إسماعيل للصورة الشعرية بأنها
تركيبة وجدانية ، تنتمي إلى عالم الوجدان([45])
لأنه " تعريف متعثر يعتمد على عناصر خارجة عنها وغريبة عن نظامها ، إنه
يتحدث معرفاً إياها بالاستناد إلى الوجدان تارة ، وطوراً بالاستناد إلى
الأشياء ، مع أن كل تعريف جاء للصورة يجب أن ينطلق من اللغة ، وكل تجاهل
لها في التعريف يظل عملاً لا يقدم بل يؤخر التعريف والوصف "([46])
ومع اتفاقنا معه في أهمية الجانب اللغوي في دراسة الصورة الشعرية، فإننا
نختلف معه في تحمسه له دون غيره من الجوانب ، فإذا كانت الصورة حاصلاً
لغوياً ، فإنّها في الوقت نفسه ناتجة عن نفسية المبدع واحساساته ، ولا يقل
إهمال الجانب النفسي في تناول الصورة عن إهمال الجانب اللغوي في الإخلال
بمفهوم الصورة الشعرية .



ثم يتابع مناقشة المصطلحات التي اقتبسها عز الدين إسماعيل من علم النفس
مثل اللاشعور والإزاحة والإيحاء وغيرها ، ويرى أنها موجودة بشكل أو بآخر في
البلاغة([47])وهكذا يواصل تفنيد الآراء والمفاهيم
المختلفة ليس لغرض التعرف على الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية في هذه
الزوايا وإنما لغرض هدم أسسها لوضع المنهج البلاغي أو الأسلوبي بديلاً عنها
، مكتفياً بذاته وخالياً من العيوب ،فيرفض – أيضاً- مفهوم الصورة من
الناحية الأسطورية لأنه يخرج من مجال الأدب إلى مجال علم النفس أو
الأنثروبولوجيا وتاريخ الأديان وهذه الوسائل المعتمدة ليست داخلة في نظرية
الأدب، ومع اعترافه بأن التناول الأدبي (البلاغي) ، والتناول الأسطوري
للشعر قد لا ينفي أحدهما الآخر " إلا أن أحدهما يدرس ما يميز الأدب عن غيره
من " البلاغة " ، والآخر يدرس جانباً يجمع الأدب بغيره أي انه جانب لا
يميز الأدب " الدراسات الأسطورية " ، لهذا كله أقول لا مجال ولا سبيل للقول
إن " البلاغة " ناقصة ويجب إتمامها " بالتحليل الأسطوري " ، إن البلاغة
وإن كانت تعاني من نقص فلن تستكمل إلا بالبلاغة لا بغيرها "([48]).



إن استبعاد المناهج النقدية والاكتفاء بالبلاغة خطأ يحرم النقد من الكشف
عن جوانب مهمة في النص الشعري فالمنهج الأسطوري إذا أحسن تطبيقه في دراسة
النصوص التي تتسم بالرمزية والأسطورية لا يقل أهمية عن المنهج الأسلوبي أو
المنهج البلاغي الذي يراه المؤلف كافياً لتناول جوانب الصورة في النص
الشعري ، فلبعض الصور مدلولاتها الرمزية التي تعود إلى الموروث الديني أو
الأسطوري للأمة ، والاعتماد على الجانب اللغوي لا يكفي لفهم هذه الصورة .
وكان من المنتظر أن يتناول الولي مدى نجاح أو إخفاق دراسة الصورة في الشعر
القديم أو الجديد بمنهج أسطوري ، ولكنه اكتفى في مناقشة آراء علي البطل بما
يتصل بالبلاغة من حيث تقليله من شأن البلاغة العربية في كتابه([49])والرد على تلك الآراء([50])ورفض تعريفه الأسطوري للصورة الشعرية ([51]) ولم يتناول المنهج الأسطوري عند مصطفى ناصف ويكتفي بمعالجة أراء لا تتصل بموضوعه([52]).



فهو وإن كان قد تناول مفهوم الصورة الشعرية عنده وخلط بين مفاهيم الصورة والرمز والأسطورة([53])فلا نجد معالجة للزاوية الأسطورية التي صنف ناصف من ضمن نقادها .



أما في زاوية الصورة الشعرية والوظيفية الاجتماعية ، فقد تناولها من خلال
آراء خالدة سعيد متتبعاً الجزئيات والإشارات المتفرقة حول الصورة في كتابها
( البحث عن جذور) و ( حركية الإبداع ) ويصل إلى أن " هذا التحليل للصورة
يعبر عن المنهج نفسه في تناول الصورة عند خالدة سعيد ، وذلك المنهج الذي
يرفض مواجهة الصورة في جانبها الإنشائي منعطفاً بدل ذلك تجاه المحتوى
الإنساني الأيديولوجي ، وحينما تتطرق الدراسة إلى الجانب الإنشائي أو
البياني كنا نسمع كلاماً يصعب قبوله علمياً ، مثال ذلك قولها " لهذه الصورة
ظاهر تزييني " ظانة أن هذا التزيين من الزوائد وهو ليس كذلك ، إنه الشعر
عينه الذي لا ينبغي القفز عليه وما الأدب إلا التزيين ؟ وإذا استغنى الكلام
على هذه الزينة أو المحسنات فهل سيظل أدباً ؟"([54])ولا
ندري كيف يضعها في زاوية النقد الاجتماعي ما دامت تصف بعض الصور على أنها
للتزيين ، فمن المعروف أن الناقد المهتم بالجوانب الاجتماعية يحرص على ربط
الصور بالواقع الاجتماعي ويختلق لها – أحياناً – ارتباط في السياق التاريخي
.



وهكذا رأينا أن ( الولي ) يتناول الجهود النقدية الحديثة في دراسة الصورة
من زاوية ضيقة لا ترى الحق والصواب إلا في استعمال المنهج البلاغي ، أو
الأسلوبي لذا فقد اقتصر على تفنيد بعض الآراء التي لا تتفق مع رؤيته ، وكان
عليه أن يكون حيادياً علمياً في معالجته فيذكر المحاسن والسيئات من واقع
تلك الجهود ، ولا مانع من طرح آرائه المخالفة بعد ذلك .



وتأتي دراسة ( بشرى موسى ) عن الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث ،
لتغطي جانباً أوسع من النقد العربي الحديث فتناولت عدداً كبيراً من
الدراسات النقدية في الصورة الشعرية بدقة وموضوعية ، مستعرضة الآراء
المختلفة ([55])وتوصلت إلى أن مفهوم الصورة يختلف باختلاف النقاد وما يصدرون عنه من مناهج وأفكار وثقافات([56])،
وتصل إلى أن كثرة التعريفات واختلافها الظاهري " يوهمان بالمفاهيم
المتباينة المضطربة لمصطلح الصورة ولكن هذا التنابذ الظاهري يفتقد الأساس
الواقعي فالجوهر واحد غير متغير والتحديدات المتعددة لا تعدو أن تكون
صياغات مختلفة لفكرة واحدة ، ضمن الدلالة التي ينتقيها الناقد من بين
دلالات المصطلح وأبرزها الحرفية ، والبلاغية ، والنفسية ، والرمزية"([57])ولأن
الناقدة لم تتناول مناهج دراسة الصورة في فصل مستقل فإنها لم تهتم بما
تتطلبه هذه الدلالات المختلفة من مناهج مختلفة ، فاختلاف المفهوم أدى إلى
اختلاف المنهج ومادام الاختلاف قد شمل المفهوم والمنهج فهذا يعني أن
الاختلاف جوهري وليس مجرد صياغات مختلفة لفكرة واحدة .



ثم تتناول مصادر الصورة الشعرية وعوامل تشكيلها ([58])،
ولم تخصص حيزاً كافياً لتناول نظرية الخيال و تطورها في النقد العربي
الحديث ، وتأثير مفاهيم الخيال في تناول الصورة ودراستها ، بل تكتفي
بإشارات متفرقة ([59])وتتناول إلى جانب الخيال عوامل أخرى مثل الواقع والتراث([60])وبعد
أن تناولت المصادر التي يستمد منها الشاعر صوره ، انتقلت إلى عناصر
الصورة ووسائل تشكيلها واهتمت في هذا الفصل بالجانب اللغوي من الصورة
الشعرية وخصائصها في الشعر ([61])وتخصص فصلاً لتناول أنماط الصورة وأساليب بنائها ([62])وتختتم كتابها بآراء النقاد حول الصورة في الرؤية الشعرية الحديثة ([63])،
وهي بهذا تكون قد تناولت معظم القضايا التي تناولها نقادنا في العصر
الحديث عند دراستهم للصورة الشعرية ، ولاسيما الجوانب النظرية ، ولكنها لم
تهتم بإبراز مناهج دراسة الصورة الشعرية في نقدنا الحديث واكتفت بتناولها
من خلال الحديث عن القضايا النظرية ، مع أن تحديد مناهج النقاد عند تناول
ظاهرة فنية معينة يعدُّ شيئاً مهماً في الدراسات التي تهتم بتقويم الجهود
النقدية ، والشيء الآخر الذي نشعر أنها لم تعطه حقه من المناقشة هو تطور
نظرية الخيال في نقدنا الحديث وتأثير هذا التطور في تناول النقاد للجوانب
المختلفة من الصورة ، ومع هذا فقد كانت دراستها من أفضل الدراسات التي
تناولت الصورة الشعرية في النقد الحديث .



descriptionالصورة الشعرية في النقد الأدبي  Emptyرد: الصورة الشعرية في النقد الأدبي

more_horiz
البرق اللامع
شيرين كامل

موضوع راق جدا

تقديري

descriptionالصورة الشعرية في النقد الأدبي  Emptyرد: الصورة الشعرية في النقد الأدبي

more_horiz
محمد سوادي العتابي كتب:
البرق اللامع
شيرين كامل

موضوع راق جدا

تقديري



الرقي في حضورك في هذا المقال أيها النبيل
فهنا الصورة الشعرية في رأي النقد تحمل أبعادا مختلفة

تقديري والاحترام
لروحك السلام





privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى