الشوق والحنين في تراتيل أنثى / القسم الثالث

نحن
الآن نقف على ذلك النداء الذي نادته شاعرتنا بذلك القلب الذي يحمل بين
دقاته حنينا لا يوصف وترتل في ذلك الليل تراتيل حنين قريب لها ( أيا يكن )
وترسم من نفسها دمعة ، وتطلب بأبسط حقوق المشتاقين ، انه التذكر لا غير ...
تذكر ذلك البعيد الذي طوى تلك المسافات في تراتيله

فاغرزني دمعة
بمقلتيك لأرتلك
حنيني
( مقطع من القصيدة 16 إليه )

إنها
دعوة كيان مملوء بالحنان ، مملوء بها شريطة أن يكون الطرف المقابل يحس هذه
المعاناة لا بل يعيشها بكل ما لديه من أحاسيس ، وهي من علامة المشتاقين ،
فأي صبر يستطيعه فرد أن لم يكن احد من المقربين يحس به ويشعر بوجود كيانه
وهي اقرب إليه من أي شيء آخر ... إنها تلك المحبة للذات من خلال الغير ،
وهي الدليل الصادق على سمو ذلك الحنين إلى تلك الواحات الغاصة بالألم
والأنين والحزن ...
دمعة على الخد أو أن تتلاعب بالمقل كل ما تريده
شاعرتنا وكل ما تصبو إليه تلك النظرة الحانة واليد المساعدة والأنامل التي
تمسح ذلك القطار والشفقة التي لا تستبطن الحقد والشماتة ... كل هذا وهبته
لنا شاعرتنا في هذا المقطع ، وأنت أيها المتأمل لا تستطيع ألا أن تؤيدني
... لأنك مثلي سيان في هذا الطرح ...
انه ذلك التوسل اللطيف الذي يفهم
بالتلميح لا التصريح ، وما أقسى الزمن حيث لا تجد هذه الشاعرة سوى تلك
النفس التي تناديها وتجيبها ، ولكان الذوات قد غادرت فلم يبق من مستمع ،،
وبدل أن تتوسل إلى ذلك البعيد القريب ،، والظاهر انه لم يجد نفعا ولم يسمع
تلك الكلمات التي قالها المتنبي ،، وكان الأذن الصماء هي المصير الوحيد
لتلك التراتيل الحزينة والصدى هو من يرد والنفس معه ...
وماذا تفعلين سيدتي ؟؟؟؟
إنها
تجوب الشوارع وتتسول الحنان ، وتتيه في ذلك الوجود اللاشعوري في منطقة ما
خلف نقطة اللقاء ... وما أقساه من منظر حيث تجد هذه العواطف الصادقة تستجدي
عواطفا من مثيلاتها وطفح الكيل

ارهقتني مكائد الأحلام
فتسولت حنينك
( مقطع من القصيدة 22 تسول )

انه
مشهد درامي صورته أنامل فاطمة الفلاحي على حين غرة من وجودات هذا العالم
المحسوس ، مشهد يجعل من المتفرجين وقوفا ، يصفقون على طريقة العرض شكلا
ومضمونا ... ويتابع المتفرجون تلك المشهد الممتد في تلك الأزقة الضيقة ...
حيث برودة الأجواء ... والضباب المنتشر في كل مكان ,,, ويشاهدون ظلا انه ظل
شاعرتنا !!!!!!!!
إنها تهرب فزعة وبعد أن تتضح صورتها يشاهدون ظلا
آخرا يعدو خلفها انه الحنين وسراب شوق قد دهس مشاعرها الوردية ... ومن جديد
هذا الثاني يريد ما أراده الشوق انه يحاول أيضا بضحكته الصفراء ... ويهرول
خلفها قاصدا تحطيمها والنيل منها

حطمني الحنين
( مقطع من القصيدة 12 تأويل )

وسيطر
هذا أيضا فصارت شاعرتنا مرتعا خصبا وأرضا صالحة للشوق والحنين ... شوق
بألم وحنين متعب ، إنها تلك النهاية المأساوية التي تكاد أن تنتهي بها
شاعرتنا ...
وبمجموع ما ذكر تلاحظ أن كل تلك الحلقات التاملاتية تأخذ من
منبع واحد متراص ومتماسك ولا تكاد أن تشعر بقفزات فوضوية وهذه من مميزات
تراتيل أنثى ...
ونكمل معا ما تبقى من ذلك المشهد النهائي ،، إنها قد
اتحدت مع ذلك الحنين رغما عنها بعد أن حطمها بطوفان من تلك العاطفة السامية
... فتشعر بذلك الذوبان وفي لاوعيها تجد إنها غير هذه ... فاطمة ليست
فاطمة في جدلية تناقضية هي اقرب للصورة المشوشة الغائمة ... والتي لا تتضح
للمتفرجين ... صورة قد تعمد مخرجها ألا تظهر كاملة فيريد أن يجعل من نهايته
بداية جديدة لمقاطع أخرى وإذا به ينقلنا إلى الضياع محولا أنظارنا إلى ما
يريد أن يرسمه ...
ثم تكسرنا ونحلم
بساعات من حنين
( مقطع من القصيدة 5 هواكا )

هكذا
تقول وكان ذلك الحنين كله قد انزوى في تلك اللحظة ... وكأنها إحدى صور
التسولات التي كانت تمر على تلك المخيلة تظهر في هذا الانسحاب ...
ولكن لا يوجد هذا إلا في لاوعي شاعرتنا وإلا فإنها مطيعة تماما لذلك الحنين بل إنها لا ترفض له طلبا وان كان لا تسمعه آذان البشر

لتنقر حنينا في الجوارح
فتستبيحني
( مقطع من القصيدة 20 منافي )

وهكذا
انتهى المشهد وأسدلت الستائر على ذلك الظل الحزين المختفي خلف ذلك الرداء
الرصاصي ولا نرى منه سوى إدباره وتوجهه إلى صحراء ... تشبه تلك الصحارى
التي كانت قبل أن يسكنها الإنسان ...مكتوب في النهاية
إنها البداية ...
بداية لرحلة تاملاتية قادمة وموضوع آخر نتأمله ونعيش معه في تراتيل أنثى .
ولدينا مزيد ومزيد