قرأت في موقع الحوار المتمدن مجموعة من القصائد وشدتني بعضها وامتنانا لكتاب هذه القصائد ارتايت ان ادلوا بدلوي للوقوف عندها واتاملها بما يسعفني به هذا الفكر المشتت بين غابات وبساتين فاخذت وردة تحت عنوان ( خارطة عشق ) للكاتبة المتميزة فاطمة الفلاحي وقررت ان تكون هذه الوردة هي باكورة هذه التاملات وفيما بعد وعند اكتمال الصورة سوف اطلق عليها ( تاملات في سفر فاطمة الفلاحي ) ، ولا اريد الاطالة عليكم فلنبحر انا واياكم في هذه الخارطة ولنجعل من افكارنا محلا لها ، ولتوضيح الصورة اكثر ننقل قصيدة ( خارطة عشق ) :
قال:

سنلتقي ونعزف الأنشودة

سنرسم خارطة عشق جديدة

تجمعنا

فلا تغيري وجهتك

ستؤومين مزار العاشقين

والعابرين بدمي

ستنعمين بدفء الشتاء

ستلتقين بالأحبة والندماء

ستكون نهاية مأساتكِ

مهما طال عليك الفراق

هناك

سأطرزك أحلاماُ وردية

على شطآن روحي

سارده بجوانحي

انسجيني حكاية وله سرمدية

تبدأ هذه القصيدة بمقطع رمزي (( قال ... ؟ )) وهذا القول ممن ؟ انها تجعلنا في معرض التساؤل عن هذا القائل المبهم لنسترسل في الاجابة عنه ، انها احدى اللفتات التعبيرية التي تجعل من الفرد محدثا لنفسه حيث يتذكر صورا واحاسيسا يجملها عند لفظ ( قال ) بل انها بنظرة ادق تلك الجدلية القاتمة التي تجعل من الانسان ابنا لماض سحيق حيث يحلق خياله بين نفي هذا الماضي واثباته وبين ما سيتولد عنه من نفي اخر .
واذا بهذا القائل تتصاعد انفاسه فجاة فتختار شاعرتنا بحر الرجز للتنفيس عن هذه الركضة (سنلتقي ونعزف الأنشودة ) انشودة تعيد لنا تلك الذكريات الغائبة وما هي الا انشودة اللقاء حيث لا مكان فيها بل هي منبثقة من عالم لا يوجد فيه الا شاعرتنا وهي اكيد تعرف هذه الانشودة ان لم تكن ترددها منذ زمن سحيق .
والسؤال الذي لا بد ان تجيب عليه الست فاطمة : بان خارطتك السحيقة في القدم اين ذهبت ومم ذهبت وعلام يضطر هذا القائل لطلب خارطة العشق الجديدة ، انها ذكرى الالم والتاسف على ما مضى ، وقد نجحت الشاعرة في توضيح هذا المعنى بالرغم من دقة الحدث حيث جمعت هذه الافكار المتعددة بعدد بسيط من الكلمات ، انها من التعبيرات التي تجعل القارئ لا لا لا بل المنصت الى هذه الالحان مبحرا في هذه الخارطة ، نعم يا ايها المسكين لم تطلب تلك الخارطة وممن تطلبها هل اخترت شاعرتنا لتكون هي محل خطابك ام ان شاعرتنا تتحدث الى ذاتها بجدلية الشاعر والمستشعر ، بل يزداد المعنى وضوحا حين يطلبها بعدم تغيير خطة سيرها فهو على اهبة الاستعداد لهذا اللقاء ، وما اقسى شاعرتنا الم تستجب له ولم تبال به مع انه يقدم دمه للعابرين بل يقدم الدفئ في شدة البرد القارس انه يحترق لاجل العابرين وبالتاكيد انت منهم يا فاطمة ، يا له من نسيج تعبيري محكم وما اروع ان تقول شاعرتنا واصفة ذلك الحبيب ... الوطن ... الذكرى ... لا يهم ( ستكون نهاية مأساتكِ ) ويا له من نداء ياخذ بسويداء الكائن الصنوبري ومن لا يجيب هذه الدعوة ويبقى الشيء الاهم وهو ان شاعرتنا ضغطت مجموعة من الافكار التعبيرية المفعمة بالمعنى وجعلتها في ذلك القائل الذي لم تفصح لاحد عنه اسما ولكنها اوفت بوصفه انه سيجعل من شاعرتنا احلاما في منامه اذ لا ينفك عن تذكرها فيا له من عاشق ويا لها من معشوقة وماذا بعد انه يعطيها روحه وكل ما يملكه فماذا اعطته شاعرتنا هل هي تحبه وتحلم به وتجعل منه حكاية وله سرمدية ؟